الحجاج بن يوسف الثقفى

نبذة عن حياته

هو الحجاج بن يوسف الثقفي سياسي أموي وقائد عسكري، من الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي والعربي، عُرف بـ (المبير) أي المبيد. وخطيب بليغ. لعب دوراً كبيراً في تثبيت أركان الدولة الأموية، سير الفتوح، خطط المدن، و بنى مدينة واسط . وأختلط في المخيلة الشعبية بروايات مبالغ فيها تدل على ميراث الرعب الهائل الذي خلفه.

ولاية الحجاج على الحجاز

بعد أن انتصر الحجاج في حربه على ابن الزبير، أقره عبد الملك بن مروان على ولاية مكة والحجاز كله، فكرهه أهل مكة. وكان وإياهم وأهل المدينة على خلاف كبير، في 75 هـ حج عبدالملك بن مروان ، وخطب على منبر النبي ، فعزل الحجاج عن الحجاز لكثرة الشكايات فيه ، وأقره على العراق .

ولاية الحجاج على العراق وخطبته لأهل الكوفة

دامت ولاية الحجاج على العراق عشرين عاماً، وفيها مات. وكانت العراق عراقين، عراق البصرة وعراق الكوفة، فنزل الحجاج بالكوفة، وكان قد أرسل من أمر الناس بالاجتماع في المسجد، ثم دخل المسجد ملثماًً بعمامة حمراء، وأعتلى المنبر فجلس وأصبعه على فمه ناظراً إلى المجتمعين في المسجد فلما ضجوا من سكوته خلع عمامته فجأة و قال خطبته المشهورة التي بدأها بقول :

أنا ابن جلا و طلاع الثنايا *** متى أضع العمامة تعرفوني

أما و الله فإني لأحمل الشر بثقله و أحذوه بنعله و أجزيه بمثله ، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها ، وإني لصاحبها ، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى.

هذا أوان الشد فاشتدي زيم ***قد لفها الليل بسواق حطم
ليس براعي إبل ولا غنم ***ولا بجزار على ظهر وضم
قد لفها الليل بعصلبي*** أروع خراج من الدوي
مهاجر ليس بأعرابي
قد شمرت عن ساقها فشدوا***وجدت الحرب بكم فجدوا
وليس القوس فيها وتر عرد***مثل ذراع البكر أو أشد
لا بد مما ليس منه بد

ثم قال : والله يا أهل العراق ، إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه ، فعجم عيدانها عوداً عوداً ، فوجدني أمرّها عودا ً، وأشدها مكسرا ً، فوجهني إليكم ، ورماكم بي . يا أهل العراق ، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق ، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة ، واضطجعتم في مناخ الضلال ، وسننتم سنن العي ، وأيم الله لألحونكم لحو العود ، ولأقرعنكم قرع المروة ، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل ، إني والله لا أحلق إلا فريت ، ولا أعد إلا وفيت ، إياي وهذه الزرافات ، وقال وما يقول ، وكان وما يكون ، وما أنتم وذاك؟. يا أهل العراق! إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان ، فكفرتم بأنعم الله ، فأتاها وعيد القرى من ربها ، فاستوسقوا واعتدلوا، ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا، وشايعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار والإبذار والأهذار، ولا مع ذلك النفار والفرار، إنما هو انتضاء هذا السيف ، ثم لا يغمد في الشتاء والصيف ، حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم ، ويقيم له أودكم، وصغركم ، ثم إني وجدت الصدق من البر، ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور في النار، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، وقد أمرت لكم بذلك، وأجلتكم ثلاثة أيام، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به، ويستوفيه مني، لئن تخلف منكم بعد قبض عطائه أحد لأضربن عنقه. ولينهبن ماله. ثم التفت إلى أهل الشام فقال: يا أهل الشام! أنتم البطانة والعشيرة، والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأزفر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء" والتفت إلى أهل العراق فقال: لريحكم أنتن من ريح الأبخر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار".

أيها الناس إن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قد ولاني أمركم وأمرني بإنصاف مظلومكم وإمضاء الحكم على ظالمكم , وأخبركم أنه حين ولاني عليكم قلدني بسيفين , سيف الرحمة وسيف العذاب والنقمه , فأما سيف الرحمه فقد سقط مني في الطريق فأضعته وأما سيف العذاب والنقمة فهو سيفي هذا اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام: فقال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله، فسكتوا فقال الحجاج من فوق المنبر: "أسكت يا غلام"، فسكت، فقال:" يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق. يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون السلام؟ هذا أدب ابن أبيه؟ والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم أدباً سوى أدب ابن أبيه، ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ منكم في جسده وفي نفسه شغلاً، اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام"، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم فلما بلغ إلى موضع السلام صاحوا وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته، فأنهاه ودخل قصر الإمارة ." .

أسلوب الحجاج بن يوسف الثقفى فى خطبته إلى أهل العراق :

الحجاج من أشهر الخطباء الذين تميزوا بأسلوب خاص في خطابتهم، فهو يختار الألفاظ الغريبة المجلجلة التي تملأ الفم وتترك رنة قوية في أذن المستمع، وهذه الألفاظ هي (جلا، طلاّع، قطافها، يقعقع، فعجم، واضطجعتم).

وأما التراكيب التي تنتظم فيها هذه الألفاظ فهي تراكيب قوية متينة حسنة النظام، وحسن نظام التراكيب نجده في مثل قوله: (إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها) .

وأما قوة التراكيب ومتانتها فتظهر في خلوها من الحشو، فالتركيب ممتلئ بالألفاظ الجيدة المنظمة، فقوله: (فرماكم بي؛ لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة) تركيبان لا نجد فيهما كلمة نابية عن مكانها أو غير مؤتلفة مع الكلمات الأخرى.

والحجاج عربي فصيح يخاطب عرباً فصحاء ولذلك فإنه لا يراعي ظهور المعنى وانكشافه بسرعة وإنما يورد بعض العبارات التي تحتاج إلى تأن في فهمها ؛ فهو يعتمد على المجاز كما في قوله : (إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها ) وقوله: (ولقد فررت عن ذكاء). وقد ساهم الخيال في صنع أسلوب خلاب يبرز أحياناً في صورة استعارة وأحياناً في صورة تشبيه.

والأسلوب هنا بعيد عن اللباقة وهو أسلوب واضح وملائم للحالة التي يعيشها العراق في ذلك الوقت، فالحجاج في منتهى الصراحة عندما قال (وحان قطافها) (وكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى). (والله لأحزمنكم حزم السلمة) وبما أن المقام مقام حزم فقد استخدم الحجاج المؤكدات بكثرة كما في قوله: (إني لأرى رؤوساً) (وإني لصاحبها) (إني والله) (وإن أمير المؤمنين)، وقوله (قد أينعت) (ولقد فررت) وقوله: (والله لأحزمنكم حزم السلمة) فنلاحظ أنه استخدم (إن) و (قد) و (القسم).

ومن خلال تتبعنا لألفاظ هذا النص وتراكيبه وخياله نجد أن الخطيب قد صنع أسلوباً تتوافر فيه كل مقومات الأسلوب المتين القوي.

وبين في خطبته أيضاً سياسته الشديدة، وبين فيها شخصيته، كما ألقى بها الرعب في قلوب أهل العراق. ومن العراق حكم الحجاج الجزيرة العربية، فكانت اليمن والبحرين والحجاز، وكذلك خراسان من المشرق تتبعه ، فقاتل الخوارج ، والثائرين على الدولة الأموية في معارك كثيرة ، فكانت له الغلبة عليهم في كل الحروب ، وبنى واسط، فجعلها عاصمته .

رأي العلماء فيه

* قال الإمام الذهبي فيه : كان ظلوماً، جباراً خبيثاً سفاكاً للدماء وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة،وتعظيم للقرآن... إلى ان قال: فنسبهُ ولا نحبه، بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الايمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبهِ، وأمره إلى الله وله توحيد في الجٌملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة الامراء .

* قال ابن كثير فيه : كان فيه شهامة عظيمة وفي سيفه رهق(الهلاك والظلم) ، وكان يغضب غضب الملوك... وقال أيضا ً: وكان جباراً عنيداً مقداماً على سفك الدماء بأدنى شبهة ، وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها ، وإلا فهو باق في عهدتها ولكن يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه... ، وكان يكثر تلاوه القرآن ويتجنب المحارم .

وصف تاريخي

كان الحجاج بن يوسف بليغاً فصيحاً، محباً للشعر كثير الاستشهاد به، تقياً ، مُعظماً للقرآن و آياته ، كريماً ، شجاعاً ، وله مقحمات عظام وأخبار مهولة .

مذهبه في الحكم

كان الحجاج يرى بتكفير الخارج على السلطان، و طرده من الملة ، لذلك كان يرى ما يفعله تقرباً لله يرجو به الأجر. وهذا يفسر ما يظنه البعض تناقضاً في فعل الحجاج في قتل الناس وبين أعمال الخير التي قام بها كالفتوحات وتعظيم القرآن وتنظيم أمور المسلمين.

قيل بعد موته أن رجلاً رفض الصلاة خلف إمام من الخوارج ، فقال له أحد أئمة البصرة : إنما تصلي لله ليس له ، وإنما كنا نصلي خلف الحروري الأزرقي. قال: ومن ذاك ؟ قال : الحجاج بن يوسف، فإنك إن خالفته سماك كافراً وأخرجك من الملة ، فذاك مذهب الحرورية الأزارقة .

فبينما الخوارج مذهبهم تكفير الحكام، كان مذهب الحجاج هو تكفير من يخالف أمر الحكام . و بالغ الحجاج في شأن الطاعة ، و قمع همم الناس ، و نفوسهم ، و غاياتهم ، فوافق الأمويين في أعمالهم ، وأذهب بين الناس أن الخلافة اصطفاء من الله ، فلا يجوز الخروج على السلطان ، وأما من خرج فقد حل دمه ، وسُمي كافراً . وشاع مذهب الحجاج في تكفير الخارج على السلطان بعده شيوعاً كبيرا ً، وكان قد ابتدأ قبله، لكنه ثبته . وثبت فكرة الإصطفاء ، والحق الإلهي ، وبالغ في تعظيم السلطان المفدى .

الحجاج في الذاكرة

كان للحجاج الكثير من المواقف ، والحكايات الشهيرة ، والأقوال الفصيحة ، والرسائل ، والخطب ، والتوقيعات ، وله مجموعة أشعار متفرقة . فقصص الحجاج وأخباره كثيرة جداً، وموجودة في كتب التاريخ ، ما يدل على عظم نفوذه ، و لا زالت أقواله باقية إلى اليوم ، ومذهبه في الحكم باق إلى اليوم .

وقيلت فيه الكثير من الأبيات بعد موته ، والتي تذمه ، كما قيل في حياته . كما دخل الحجاج في القصص الشعبي ، والمخيلة الشعبية ، فظهر جشعاً طماعاً خاطف نساء في حكايات ألف ليلة وليلة ، كما صورته المخيلة الشعبية بصور بشعة التي كانت تكتب من قبل الشعوبيين تلك الفترة وتسلط عليهم الحجاج لبدعهم وتحريفهم في الدين الاسلامي .

فلا نكفر الحجاج ، ولا نمدحه ، ولا نسبه ونبغضه في الله بسبب تعديه على بعض حدود الله واحكامه ، وأمره إلى الله .

خطبة الحجاج في البصرة:

قدم الحجاج البصرة بعد ان ارهب اهل الكوفةفصعد المنبر وقذفهم بالخطبة الاتية:
ايها الناس!من اعياهدائه,فعندي دوائه،ومن استطال اجله،فعلي ان اعجله،ومن ثقل علبه راسه،وضعتعنهثقله,ومن استطال ماضي عمرة،قصرت عليه باقيه.
ان للشيطان طيفا,وللسلطانسيفا,فمن سقمت سريرته،صحت عقوبيته،ومن لم تسعه العافيه,لم تضق عنهالهلكة،ومن سبقته بادرة فمه،جزيناه بسفك دمه .اني انذر ثملا انظر,واحذر ثم لا اعذر,واتوعد ثم لا اعفو,انما افسدكم ترنيق ولاتكم,ومن استرخىلببه,ساء ادبه. ان الحزم والعزم سلباني سوطي,وابدلانيبه سيفي,فقائمه في يدي,ونجادة في عنقي,وذبابه قلادة لمن عصانيوالله لا امراحدكم ان يخرج من باب من ابواب المسجد فيخرج من الباب الذي يليه الا ضربت عنقة.

خطبته وقد سمع تكبيرا في السوق
فلما كان اليوم الثالث خرج من القصر فسمع تكبيرا في السوق فراعه ذلك فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال :
يأهل العراق يأهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق وبني اللكيعة وعبيد العصا وأولاد الإماء والفقع بالقرقر إني سمعت تكبيرا لا يراد الله به وإنما يراد به الشيطان ألا إنها عجاجة تحتها قصف وإنما مثلي ومثلكم ما قال عمرو بن براق الهمذاني :
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم*** فهل أنا في ذايا لهمدان ظالم
متى تجمع القلب الذكي و صارما ** و أنفا حميا تجتنبك المظالم
والله لا تقرع عصا عصا ** إلا جعلتها كأمس الدابر
خطبته بعد وقعة دير الجماجم
وخطب أهل العراق بعد وقعة دير الجماجم فقال :
يأهل العراق إن الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم والدم والعصب والمسامع والأطراف والأعضاء والشغاف ثم أفضي إلى المخاخ والأصماخ ثم ارتفع فعشش ثم باض وفرخ فحشاكم نفاقا وشقاقا وأشعركم خلافا اتخذتموه دليلا تتبعونه وقائدا تطيعونه ومؤامرا تستشيرونه فكيف تنفعكم تجربة أو تعظكم وقعة أو يحجزكم إسلام أو ينفعكم بيان؟؟؟
ألستم أصحابي بالأهواز حيث رمتم المكر وسعيتم بالغدر واستجمعتم للكفر وظننتم أن الله يخذل دينه وخلافته وأنا أرميكم بطرفي وأنتم تتسللون لواذا وتنهزمون سراعا ثم يوم الزاوية وما يوم الزاوية بها كان فشلكم وتنازعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم ونكوص وليكم عنكم إذ وليتم كالإبل الشوارد إلى اوطانها النوازع إلى أعطانها لا يسأل المرء عن أخيه ولا يلوي الشيخ على بنيه حتى عضكم السلاح وقصمتكم الرماح ثم يوم دير الجماجم وما يوم دير الجماجم بها كانت المعارك والملاحم .

بضرب يزيل الهام عن مقيله*** ويذهل الخليل عن خليله

يأهل العراق والكفرات بعد الفجرات والغدرات بعد الخترات والزوات بعد النزوات إن بعثتكم إلى ثغوركم غللتم وخنتم وإن أمنتم أرجفتم وإن خفتم نافقتم لا تذكرون حسنة ولا تشكرون نعمة هل استخفكم ناكث أو استغواكم غاو أو استنصركم ظالم أو استعضدكم خالع إلا تبعتموه وآويتموه ونصرتموه وزكيتموه
يأهل العراق هل شغب شاغب أو نعب ناعب أو زفر زافر إلا كنتم أتباعه وأنصاره ؟؟
يأهل العراق ألم تنهكم المواعظ ؟؟ألم تزجركم الوقائع؟؟ ثم التفت إلى أهل الشأم وهم حول المنبر فقال :
يأهل الشام إنما أنا لكم كالظليم الرامح عن فراخه ينفي عنها المدر ويباعد عنها الحجر ويكنها من المطر ويحميها من الضباب ويحرسها من الذئاب يأهل الشام أنتم الجنة والرداء وأنتم العدة والحذاء.
خطبة أخرى له في أهل الكوفة وأهل الشأم
يأهل الكوفة إن الفتنة تلقح بالنجوى وتنتج بالشكوى وتحصد بالسيف أما والله إن أبغضتموني لا تضروني وأن أحببتموني لا تنفعوني وما أنا بالمستوحش لعدواتكم ولا المستريح إلى مودتكم زعمتم أني ساحر وقد قال الله تعالى ولا يفلح الساحر وقد أفلحت وزعمتم أني أعلم الاسم الأكبر فلم تقاتلون من يعلم ما لا تعلمون ثم التفت إلى أهل الشأم فقال :
لأزواجكم أطيب من المسك ولأبناؤكم آنس بالقلب من الولد وما أنتم إلا كما قال أخو بني ذبيان إذا حاولت في أسد فجورا فإني لست منك ولست مني هم درعي التي استلأمت فيها إلى يوم النسار وهم مجني ثم قال بل أنتم يأهل الشأم كما قال الله سبحانه ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون.
خطبة له بالبصرة
فقال قال الله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم فهذه لله وفيها مثوبة وقال واسمعوا وأطيعوا وهذه لعبد الله وخليفة الله وحبيب الله عبد الملك بن مروان أما والله لو أمرت الناس أن يأخذوا في باب واحد فأخذوا في باب غيره لكانت دماؤهم لي حلالا من الله ولو قتل ربيعة ومصر لكان لي حلالا عذيرى من أهل هذه الحميراء يرمي أحدهم بالحجر إلى السماء ويقول يكون إلى أن يقع هذا خير .والله لأجعلنهم كالرسم الدائر وكالأمس الغابر عذيرى من عبد هذيل يقرأ القرآن كأنه رجز الأعراب أما والله لو أدركته لضربت عنقه يعني عبد الله بن مسعود عذيرى من سليمان بن داود يقول لربه رب أغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي كان والله فيما علمت عبدا حسودا بخيلا خطبة أخرى له بالبصرة حمد الله وأثني عليه ثم قال إن الله كفانا مئونة الدنيا وأمرنا بطلب الآخرة فليته كفانا مئونة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا مالي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون وشراركم لا يتوبون مالي أراكم تحرصون على ما كفيتم وتضيعون ما به أمرتم إن العلم يوشك أن يرفع ورفعه ذهاب العلماء ألا وإني أعلم بشراركم من البيطار بالفرس الذين لا يقرءون القرآن إلا هجرا ولا يأتون الصلاة إلا دبرا ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر ألا وإن الآخرة أجل مستأخر يحكم فيها ملك قادر
ألا فاعملوا وأنتم من الله على حذر واعلموا أنكم ملاقوه ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار ألا وإن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وأستغفر الله لي ولكم.

خطبته في أهل العراق يصارحهم بالكراهة
يأهل العراق إني لم أجد دواء أدوي لدائكم من هذه المغازي والبعوث لولا طيب ليلة الإياب وفرحة القفل فإنها تعقب راحة وإني لا أريد أن أرى الفرح عندكم ولا الراحة بكم وما أراكم إلا كارهين لمقالتي وأنا والله لرؤيتكم أكره ولولا ما أريد من تنفيذ طاعة أمير المؤمنين فيكم ما حملت نفسي مقاساتكم والصبر على النظر إليكم والله أسأل حسن العون عليكم.
خطبة أخرى في أهل العراق
يأهل العراق بلغني انكم تروون عن نبيكم أنه قال من ملك على عشر رقاب من المسلمين جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلي عنقه حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور وايم الله إني لأحب إلى أن أحشر مع أبي بكر وعمر مغلولا من أن أحشر معكم مطلقا.
خطبته لما مات عبد الملك بن مروان
ولما مات عبد الملك بن مروان قام فحمد الله وأثني عليه ثم قال :
أيها الناس إن الله تبارك وتعالى نعي نبيكم إلى نفسه فقال إنك ميت وإنهم ميتون وقال وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم فمات رسول الله ومات الخلفاء الراشدون المهتدون المهديون منهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان الشهيد المظلوم ثم تبعهم معاوية ثم وليكم البازل الذكر الذي جربته الأمور وأحكمته التجارب مع الفقه وقراءة القرآن والمروءة الظاهرة واللين لأهل الحق والوطء لأهل الزيغ فكان رابعا من الولاة المهديين الراشدين فاختار الله له ما عنده وألحقه بهم وعهد إلى شبهه في العقل والمروءة والحزم والجلد والقيام بأمر الله وخلافته فاسمعوا له وأطيعوه أيها الناس إياكم والزيغ فإن الزيغ لا يحيق إلا بأهله ورأيتم سيرتي فيكم وعرفت خلافكم وطيبتم على معرفتي بكم ولو علمت أن أحدا أقوى عليكم مني أو أعرف بكم ما وليتكم فإياي وإياكم من تكلم قتلناه ومن سكت مات بدائه غما .
خطبته حين أراد الحج
وأراد الحجاج أن يحج فاستخلف محمدا ولده على أهل العراق ثم خطب فقال :

يأهل العراق يأهل الشقاق والنفاق إني أريد الحج وقد استخلفت عليكم ابني محمدا هذا وما كنتم له بأهل وأوصيته فيكم بخلاف ما أوصى به رسول الله في الأنصار إن رسول الله أوصى أن يقبل من محسنهم وأن يتجاوز عن مسيئهم وإني أمرته ألا يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم ألا وإنكم ستقولون بعدي مقالة ما يمنعكم من إظهارها إلا مخافتي ألا وإنكم ستقولون بعدي لا أحسن الله له الصحابة ألا وإني معجل لكم الإجابة لا أحسن الله الخلافة عليكم .
خطبته لما أصيب بولده محمد وأخيه محمد في يوم واحد
فلما كان غداة الجمعة مات محمد بن الحجاج فلما كان بالعشى أتاه بريد من اليمن بوفاة محمد أخيه ففرح أهل العراق وقالوا انقطع ظهر الحجاج وهيض جناحه فخرج فصعد المنبر ثم خطب الناس فقال :
أيها الناس محمدان في يوم واحد أما والله ما كنت أحب أنهما معي في الحياة الدنيا لما أرجو من ثواب الله لهما في الآخرة وايم الله ليوشكن الباقي مني ومنكم أن يفنى والجديد أن يبلي والحي مني ومنكم أن يموت وأن تدال الأرض منا كما أدلنا منها فتأكل من لحومنا وتشرب من دمائنا كما مشينا على ظهرها وأكلنا من ثمارها وشربنا من مائها ثم نكون كما قال الله تعالى ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ثم تمثل بهذين البيتين .

عزائي نبي الله من كل ميت*** وحسبي ثواب الله من كل هالك
إذا ما لقيت الله عني راضيا*** فإن سرور النفس فيما هنالك

خطبته وقد أرجف أهل العراق بموته:
ومرض الحجاج ففرح أهل العراق وأرجفوا بموته فلما بلغه تحامل حتى صعد المنبر فقال :
إن طائفة من أهل العراق أهل الشقاق والنفاق نزغ الشيطان بينهم فقالوا مات الحجاج ومات الحجاج فمه وهل يرجو الحجاج الخير إلا بعد الموت والله ما يسرني ألا أموت وأن لي الدنيا وما فيها وما رأيت الله رضي بالتخليد إلا لأهون خلقه عليه إبليس قال أنظرني إلي يوم يبعثون قال إنك من المنظرين ولقد دعا الله العبد الصالح فقال ربي اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فأعطاه ذلك إلا البقاء فما عسى أن يكون أيها الرجل وكلكم ذلك الرجل كأني والله بكل حي منكم ميتا وبكل رطب يابسا ونقل في ثياب أكفانه إلى ثلاثة أذرع طولا في ذراع عرضا وأكلت الأرض لحمه ومصت صديده وانصرف الحبيب من ولده يقسم الخبيث من ماله إن الذين يعقلون يعلمون ما أقول .

(أرجو أن تكونو استفدتم أدعو الله لي بالمغفرة)