غريب جدًا جمال مبارك، رجل يريد أن يرث الرئاسة من والده، ولكنه يهدد استقرار رئاسة والده نفسه ونفسها، أعطاه والده البلد على سبيل الأمانة أو الهدية كى يديرها فعليًا ويختار رجاله فى الحزب، فأطاح بصفوت الشريف عمليًا، وعصف بيوسف والى وكمال الشاذلى فعليًا، وجاء بصديقه محتكر الحديد وشلته من رجال الأعمال فى الوزارة من رئيسها حتى صغيرها، وبدلاً من أن يصون الأمانة فهو يشعل البلد لأبيه، سواء بسياسات اقتصادية متوحشة تحتكر السلطة والثروة وتحتقر محدودى الدخل والغلابة، أو بمواقف سياسية مليئة بالغل والكراهية تجاه المعارضين للتوريث، أو بإطلاق يد أمن الدولة ترعى فى مراعى الحكم وتأكل الأخضر واليابس، وتستولى على إدارة الحكم فى مصر، فهى المتحكمة فى كل شىء، وهى المتصرفة فى كل أزمة، وهى القاضى والمحقق والسجان، وهى التى تقتل أطفالاً لتحمى جمال مبارك، وتعتقل شبابًا بريئًا لتحمى جمال مبارك، وتسجن صحفيين لحماية جمال مبارك، وجمال مبارك سعيد بهذا جدًا، ويستخدمها كما يستخدم الشباب لعبة الحرب فى البلاى ستشين ليقتل أعداءه وخصومه، ويثير فى قلبه الفرحة وينتفض بالنشوة، ثم هو كذلك يأتى برجاله فى الإعلام ليحلوا محل رجال والده، فإذا بهم على ذات درجة الفرح باللعبة، ويدمرون ما بقى من مصداقية وهى قليلة أساسًا لنظام الرئيس مبارك، ويحولون إعلام جمال مبارك لنفس حالة الفصام والانفصال فى الشخصية، حيث يحكون لنا عن السعادة الرائعة للمصريين، والازدهار الرهيب والنجاح الاقتصادى المذهل تمامًا مثلما كان إعلام نكسة يونيو، يحدثنا عن سقوط الطائرات الإسرائيلية، ونحن مهزومون منسحبون، وهو نفس ما يتكرر من إعلام جمال مبارك الذى يطنطن بأكاذيب لا علاقة لها بالحقيقة ومتناقضة تمامًا مع الواقع الذى يغطس فيه المصريون فى التعاسة، بينما جمال مبارك و واحدًا من أصحابه ورجاله فى الحزب والإعلام مصممون أن مصر بطنها واجعاها من كتر الضحك و السعادة
أليس غريبًا على مدى عصر الرئيس مبارك كله ألا يمارس رجال الأمن كل هذا العنف، وكل هذا البغض ضد المتظاهرين فى الشوارع إلا بعد أن تولى عمليًا جمال مبارك مهام المدير التنفيذى لمصر، فصرنا نشاهد ونشهد الأمن وهو يتعامل مع المتظاهرين بإصابتهم بإعاقة، أو فخت عينهم، أو التحرش بهم أو قتلهم
أفهم عندما أتسلم مهمة إدارة شركة من والدى وليست بلدًا مثلاً أن أقعد وأتعلم أولاً ثم أحاول أن يحبنى العمال والموظفون والزبائن والشركاء، ثم أحاول أن أطور وأثبت أننى أمين على فلوس أبويا، لكن أن أخرب الشركة وأفلسها، وأجيب أصحابى يتولون مناصبها وأرفد العمال وأحرم الموظفين من حقوقهم فهذا عمل لا يليق بوارث يعرف قيمة ما ورث، وحتى لو ورث تلك الشركة، فهى لن تستمر طويلاً فى يده، ولن يبقى فيها كثيرًا، هذه هى الشركة، فما بالك بالبلد، بالناس، بالشعب الذى هو ليس دينارًا ولا درهمًا يتم توريثه، وليس عقارًا ولا ثلاجة كى يتم حسابه ضمن إعلام الوراثة، هذا الشعب الآن هل يثق فى جمال مبارك وقدراته؟ هل يحبه ويتعاطف مع إمكاناته؟ هل يقبله وريثًا؟ الغريب أن جمال مبارك وليس أى أحد آخر هو الذى أنهى أى إمكانية لمجيئه وسط سلام مجتمعى بيحب هو كلمة مجتمعى جدًا فلم تعد المشكلة فى أن جمال مبارك ابن الرئيس فقط، بل المشكلة الكبرى أنه غير كفء، لدرجة تهدده بتضييع الورث قبل أن يرثه