مذبحة الجمالية 1074 م / 466 هـ
كان بدر الجمالي، الذي ينسب إليه حي الجمالية بالقاهرة، مملوكاً أرمنياً لوالي دمشق جمال الدين أبو عمار، لذلك سمي الجمالي، لأن المماليك في ذلك الوقت كانوا يلقبون بألقاب اسيادهم. كان بدر مثال الجد و الطموح و الحزم في العمل، فترقي في المناصب الإدارية بسرعة، حتي أنه تولي ولاية دمشق مرتين. و استقر به المقام والياً لمدينة عكا في فلسطين.
أرسل إليه الخليفة المستنصر بالله الفاطمي في مصر لينقذ البلاد من صراعات الجنود المغاربة و الأتراك و السود و المرتزقة، الذين عاثوا في الأرض فساداً و احترفوا السلب و النهب، و أشاعوا الفوضي في أرجاء البلاد. و كانت شوكتهم قد قويت حتي أن الخليفة نفسه لم يعد قادراً عليهم. و كانت مصر قد خرجت لتوها من واحدة من أسوأ المجاعات التي اجتاحتها في تاريخها و استمرت لمدة سبع سنوات، و تبعها الطاعون الذي أتي علي ثلث سكان مصر.
لبي بدر الجمالي نداء المستنصر، و دخل القاهرة سراً عام 1074 م / 466 هـ و معه جنده من الأرمن. و نزل هو في أحد البيوت في حارة برجوان بجوار مسجد الحاكم بأمر الله في الجمالية. و نزل جنوده في انحاء متفرقة من القليوبية، ثم تسللوا في مجموعات صغيرة إلي داخل القاهرة حتي لا يشعر بهم أحد.
بدأ بدر الجمالي يعد خطة للقضاء علي رؤوس الفساد في البلاد. أرسل إليهم مندوبين عنه برسائل فيها كثير من التظاهر بالود و التعاطف يدعوهم فيها إلي مساعدته في القضاء علي ما في البلاد من فساد و نهب و سلب. ثم دعاهم لمأدبة كبيرة في الجمالية لتدعيم أواصر المحبة و التعاون، ثم عهد إلي كل قائد من قواده بقتل أحد أمراء الجنود من رؤوس الفساد من المغاربة و الأتراك و المرتزقة.
قضي الأمراء الليل في غاية المرح و السرور ، و شربوا من الخمور ما أدار رؤوسهم. و كلما استأذن احدهم لقضاء حاجته، ينقض عليه أحد قواد بدر الجمالي و يقتله و يقطع رأسه. حتي إذا أشرقت شمس اليوم التالي، كانت باحة البيت قد تكدست بجثث أجساد الأمراء ، أما الرؤوس فقد جمعها بدر الجمالي في جوال و حملها إلي الخليفة المستنصر وهو يزف له الخبر الذي طالما أراد أن يسمعه و هو أن القاهرة قد تطهرت من كل رؤوس الفساد في ليلة واحدة.
احتفي الخليفة ببدر الجمالي و أنعم عليه بوزارة مصر. و سمي منذ ذلك الحين بالسيد الأجل، أمير الجيوش، سيف الإسلام، ناصر الإمام، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة أمير المؤمنين أبو النجم بدر المستنصري.
يقول ابن تغري بردي : و قد تحكم (بدر) في مصر تحكم الملوك، و لم يبق للمستنصر معه أمر، و استبد بالأمور فضبطها أحسن ضبط، و كان شديد الهيبة، وافر الحرمة، مخوف السطوة، قتل من مصر خلائق لا يحصيها إلا خالقها، إلا أنه عمٌر البلاد و أصلحها بعد فسادها و خرابها بإتلاف المفسدين من أهلها، و كانت له محاسن منها أنه أباح الأرض للمزارعين ثلاث سنين، حتي ترفهت أحوال الفلاحين و استغنوا في أيامه، و منها حضور التجار إلي مصر لكثرة عدله بعد انتزاحهم منها في أيام الشدة، و منها كثرة كرمه".لمسابقة الجديدة ديسمبر 2010
الفجر الساطع
لنرتقى
المفضلات