مرسى فى فسطاط التبعية .
كانت تبعية نظام مبارك للسياسة الأمريكية فاضحة وخشنة.
ومن ثَم كان المطلوب تبعية أقل انفضاحًا وأكثر نعومة.
لم يعد مقبولًا أن ينفّذ التبعية ديكتاتور.
فكان مهمًّا أن ينفّذها رئيس منتخب.
مصر مرسى تدخل معسكر التبعية السياسية والاقتصادية تحت راية الإسلام وعبر صناديق الانتخابات وسط حفاوة وتحالف دولى لا يرى مشكلة إطلاقًا فى أن يحكم الإخوان طالما يتحكم الأمريكان.
المتأمل لعلاقة الرئيس مرسى وإخوانه بواشنطن لا يكاد يرى بالعين المجردة فروقًا بين السلف والخلف.
نتوقف عند المثلث الشهير الذى كانت مصر تجرى بين أضلاعه الثلاثة: إسرائيل وإيران والاقتصاد، فتكتشف مهادنة تستكمل الهدنة مع إسرائيل، فلا شىء يقلق عدونا على الحدود من مرسى الذى يقود بنفسه -كما قال- عملية أمنية فى سيناء تلتزم بالشروط الإسرائيلية، فتذهب وتعود وتتحرك وتقف عند الخطوط التى لا تزعج الصهاينة، بل وتلبى أهدافها، ليس مهمًّا هنا أن يثرثر رئيس مصر بالكلام عن صديقه بيريز، ومكالماته مع نتنياهو، ونصائحه للشعب الإسرائيلى، وأحاديثه الموسمية العجفاء مع سيمدار بيرى فى «يديعوت أحرونوت»، كما كان يفعل السلف، بل المهم والأهم أن يطبق الخلف هذه السياسات، فإسرائيل لا تلتهب عواطفها بكلمات الحب، بل تطربها المصالح، وبدلًا من صداع الشارع المصرى بمظاهراته وهتافاته ضد تل أبيب وصديقها مبارك وحرق أعلام إسرائيل فى شوارع القاهرة، ها هى تجد من المتظاهرين السابقين ولاءً لسياسة مبارك يثير الدهشة، فلماذا كان يدفع الأمريكان أكثر بحمايتهم ديكتاتورًا طالما ممكن أن يدفعوا أقل برعايتهم إخوانيًّا منتخبًا.
إسرائيل لا تخشى مظاهرات حماس الحاشدة بأعضائها الذين يرفعون الرشاشات ويطلقون الرصاص فى الهواء، طالما هذه المظاهرات تظل فى أزقة غزة والرصاص يدوى أمام أسطح بيوتها، بينما حماس تضمن هدوء جبهة غزة ولو ببعض الخروقات المقدور عليها، فها هى تل أبيب تقبل أن ينكر مرسى أنه أرسل إلى نتنياهو خطاب شكر على تهنئته طالما الشكر وصل فعلًا.
طبعًا لا أحد عاقل يطلب من مرسى أن يحارب إسرائيل، فهذه ليست مغامرة، بل مقامرة بمصر كلها (وفى السكة هى انتحار لحكم الإخوان)، لكننا نطالب مرسى فقط بأن يتوقف وإخوانه عن المخايلة وتزييف الحقيقة الماثلة أمامنا، أنه يصالح ويهادن ويتوافق مع السياسة الإسرئيلية.
هذا عن الضلع الأول، أما عن الضلع الثانى فى المثلث فهو إيران، ورغم الزيارة الميمونة لقمة عدم الانحياز التى انعقدت فى طهران والسعادة الغامرة للملالى بحضور الرئيس المصرى، وهو ما لم يكن سيفعله سلفه إطلاقًا، فإن السؤال الحقيقى: وهل تغيّر أى شىء فى السياسة المصرية المرسية تجاه إيران عن سياسة مبارك حتى تاريخه؟ يكفى فقط أناشيد الفرح الأمريكى والمدائح الأوروبية لمرسى على كلمته فى طهران التى شارك بها أمريكا والغرب والخليج وإسرائيل الهجوم الجماعى بمقام السماعى نهاوند وحجازى على ديكتاتور دمشق، وهو ما يؤكد أن سياسة مرسى لا هى عدم انحياز ولا حياد إيجابى، بل هى ذلك الطواف حول السياسة الأمريكية التى ترى فى كل خصوم إسرائيل أعداءً ومارقين، وإذا كان مرسى كما مبارك حاول تغطية هذه السياسة الموالية للغرب ضد إيران بالعزف على الخلاف السنى- الشيعى، كأننا نعود للصراع بين الدولة الصفوية فى فارس ودولة المماليك فى مصر، فإن هذا اللعب بالصراع الطائفى خطر وقاتل، فالذى يقول إننا ضد إيران لأنها شيعية سيقول غدًا إننا ضد إسرائيل لأنها يهودية وضد أمريكا لأنها مسيحية، فضلًا عن حرج شديد للغاية فى أن يذهب مرسى إلى بلد مثل الصين لا دين لها أو إلى الهند الهندوسية مثلًا ليتعاون فى اقتصاد وصناعة وتجارة، بينما يمنع عن نفسه وبلده التعاون مع بلد مسلم شيعى، لكن عمومًا الفيلم نفسه الذى أنتجه مبارك يمثله مرسى، ودعونى أذكركم أن لو حكم إيران غدًا رئيس موالٍ لأمريكا ومتصالح مع إسرائيل ستنسى أمريكا شيعيته وتأخذه بالحضن.
أما الضلع الثالث فى المثلث فهو الاقتصاد، وكما رأيت ثم رأيت فالإخوان من أصدقاء صندوق النقد، بل وأحلوا الحرام من أجل عيون الرضا الأمريكى، لم يقل الليبراليون واليسار يومًا إنهم ينظرون إلى الاقتصاد من باب الشرع والدين، لكنّ الإخوان والسلفيين هم الذين مزّقوا طبلة أذن الشعب المصرى بهذه الأمور، ومجرد ما أصبح مرسى فوق الكرسى صرنا نسمع بعد العمر ده كله أن الربا حلال .
بقلم ابراهيم عيسى .
المفضلات