موقع الوادي المقدس


فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةإِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص30)


.....لنبدأ برحلة العودة بعد انتهاء مدة العهد بينه وبين حموه...

عودة سيدنا موسى عليه السلام لمصر:
ترى أي خاطر راود موسى، فعاد به إلى مصر، بعد انقضاء الأجل، وقد خرج منها خائفا يترقب؟
وقدأنساه الخطر الذي ينتظره بها، وقد قتل فيها نفسا؟ وهناك فرعون الذي كان يتآمر مع الملأ من قومه ليقتلوه؟
...نعم-
إنها قدرة الله التي تنقل خطاه كلها. لعلها قادته هذه المرة بالميل الفطري إلى الأهل والعشيرة والوطن. وأنسته الخطر الذي خرج هاربا منه وحيدا طريدا.
لكي يؤدي المهمة التي خلق من أجلها.
(وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)...
خرج موسى مع أهله وسار. اختفى القمر وراء السحاب الكثيف وسادالظلام. اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء وزادت حدة البرد والظلام. وتاه موسى أثناء سيره. ووقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله.. ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد. امتلأ قلبه بالفرح فجأة. قال لأهله: أني رأيت نارا هناك.
أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر، أو يجدأحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم. (إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)
وتحرك موسى نحو النار. سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه ثم اهله.ويده اليمنى تمسك عصاه.
جسده مبلل من المطر. ظل يسير حتى وصل إلى وادي. لاحظ شيئا غريبافي هذا الوادي. لم يكن هناك برد ولا رياح. ثمة صمت عظيم ساكن. اقترب موسىمن النار. لم يكد يقترب منها حتى نودي:
(أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِوَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
نظر موسى في النار فوجد شجرة خضراء. كلما زاد تأجج النار زادت خضرةالشجرة. والمفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود وهي تحترق. لكن النارتزيد واللون الأخضر يزيد. كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه، وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوى.
ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي:
يَا مُوسَىفأجاب موسى: نعم.
قال الله عز وجل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ازداد ارتعاش موسى وقال:
نعم يا رب.
قال الله عز وجل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه.
عاد الحق سبحانه وتعالى يقول: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) (طه)

زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه.
قال الرحمن الرحيم: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىازدادت دهشة موسى. إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه، والله يعرف أكثرمنه أنه يمسك عصاه. لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه؟! لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك.
أجاب موسى: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى
قال الله عز وجل: أَلْقِهَا يَا مُوسَى
رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته. وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلىحية فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى . وظلت الحية تتحرك بسرعة. ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه. أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف. فاستدار موسى فزعا وبدأيجري. لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله:
يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ.
عاد موسى يستدير ويقف. لم تزل العصا تتحرك. لم تزل الحية تتحرك.قال الله سبحانه وتعالى لموسى:
خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىمد موسى يده للحية وهو يرتعش. لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا.عاد الأمر الإلهي يصدر له:
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءمِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ
وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر. زاد انفعال موسى بما يحدث، وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما..
اطمأن موسى وسكت. وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين -معجزة العصاومعجزة اليد
أمرا لايقوي أحد من البشر أن يقم به!!!
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ... في ظلال القران

وانتهي اللقاء الاول الفريد في اطهر واقدس بقعة في الارض جمعاء!!!!


وظل موسي عليه السلام حتي بزوغ الفجر يتسائل داخل نفسه أي مكان هذا وأي قدسية حاز عليها بل واستأ ثرها لنفسه هذا الموقع الفريد حتي يأ مره المولي عز وجل ... إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى

وظل موسي حائرا يتلهف مهرولا متجها الي اخيه هارون لعله يجد اجابة لديه ويلتمس فيه الشجاعة لمواجهة الفرعون كما أمره المولي عز وجل ....

وحينما حانت اللحظة لمواجهة الفرعون .....

(وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ* قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 104-109].

ياسبحان الله العصي تتحول الي ثعبان كبير الحجم لم يصدق موسي نفسه لقد شاهدها موسي حية صغيرة الحجم تتراقص امامه كالجان وكان خوفه منها انها في صحراء قاحلة فلماذا تحولت الي ثعبان كبير امام الفرعون وملأه الآن ؟!!

سؤال يظل يستمر يبحث عن اجابة....أليست حكمة الهية؟
نعم......
ان وجود هذه الكلمة ظهرت حكمة بيانية رائعة تثبت أن كل كلمة في القرآن إنما تأتي في الموضع المناسب، ولا يمكن أبداً إبدالها بكلمة أخرى، وهذا من الإعجاز البياني في القرآن الكريم.
ولكي نوضح الحكمة من تعدد الكلمات عندما نبحث عن قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون لنجد أنها تكررت في مناسبات كثيرة، ولكن العصا ذُكرت في ثلاثة مراحل من هذه القصة:

اولا: .عندما كان موسى سائراً بأهله ليلاً فأبصر ناراً وجاء ليستأنس بها فناداه الله أن يلقي عصاه.

ثانيا: .عندما ذهب موسى إلى فرعون فطلب منه فرعون الدليل على صدق رسالته من الله تعالى فألقى موسى عصاه.

ثالثا: .عندما اجتمع السَّحَرة وألقوا حبالهم وعصيّهم وسحروا أعين الناس، فألقى موسى عصاه.

هذه هي المواطن الثلاثة حيث يلقي فيها موسى العصا في قصته مع فرعون.

ولكن لماذاألحية في (طوي) والثعبان امام فرعون وقومه من المصريين؟؟
ونتسائل كيف تناول البيان الإلهي هذه القصة وكيف عبّر عنها، وهل هنالك أي تناقض أو اختلاف أو عشوائية في استخدام الكلمات القرآنية؟

الموقف الأول

..في الموقف الأول نجد عودة سيدنا موسى إلى مصر بعد أن خرج منها، وفي طريق العودة ليلاً أبصر ناراً فأراد أن يقترب منها ليستأنس فناداه الله تعالى، وأمره أن يلقي عصاه، فإذاهي تتحول إلى حيّة حقيقية تهتز وتتحرك وتسعى، فخاف منها، فأمره الله ألا يخا ف وأن هذه المعجزة هي وسيلة لإثبات صدق رسالته أمام فرعون.

ولو بحثنا عن الآيات التي تحدثت عن هذا الموقف، نجد العديد من الآيات وفي آية واحدة منها ذكرت الحيّة، يقول تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى *قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) [طه: 17-21].

الموقف الثاني

أما الموقف فيتمثل بقدوم موسى عليه السلام إلى فرعون ومحاولة إقناعه بوجود الله تعالى، وعندما طلب فرعون الدليل المادي على صدق موسى، ألقى عصاه فإذا بها تتحول إلى ثعبان مبين. ولو بحثنا عن الآيات التي تناولت هذا الموقف نجد عدة آيات، ولكن الثعبان ذُكر مرتين فقط في قوله تعالى:

(وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ* قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 104-109].

(قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ* قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ* قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [الشعراء: 23-34].

الموقف الثالث

بعدما جمع فرعون السحرة وألقوا الحبال والعصيّ وسحروا أعين الناس وخُيّل للناس ولموسى أن هذه الحبال تتحرك وتهتز وتسعى، ألقى موسى عصاه فابتلعت كل الحبال والعصي، وعندها أيقن السحرة أن ما جاء به موسى حق وليس بسحر، فسجدوا لله أمام هذه المعجزة.

وقد تحدث القرآن عن هذا الموقف في العديد من سوره، ولكننا لا نجد أي حديث في هذا الموقف عن ثعبان أو حية، بل إننا نجد قول الحق تبارك وتعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) [الأعراف: 117].



التحليل البياني للمواقف الثلاثة

لو تأملنا جيداً المواقف الثلاثة نجد أن الموقف الأول عندما أمر الله موسى أن يلقي عصاه وهو في الوادي المقدس، تحولت العصا إلى (حيَّة) صغيرة، وهذا مناسب لسيدنا موسى لأن المطلوب أن يرى معجزة،!!
وليس المطلوب أن يخاف منها، لذلك تحولت العصا إلى حية.

أما في الموقف الثاني أمام فرعون فالمطلوب إخافة فرعون لعله يؤمن ويستيقن بصدق موسى عليه السلام، ولذلك فقد تحولت العصا إلى ثعبان، والثعبان في اللغة هو الحية الكبيرة.
وهكذا نجد أن الآيات التي ذُكرت فيها كلمة (ثعبان) تختص بهذا الموقف أمام فرعون.

ولكن في الموقف الثالث أمام السّحَرَة نجد أن القرآن لا يتحدث أبداً عن عملية تحول العصا إلى ثعبان أو حية، بل نجد أن العصا تبتلع ما يأفكون، فلماذا؟

إذا تأملنا الآيات بدقة نجد أن السحرة أوهموا الناس بأن الحبال تتحرك وتسعى، كما قال تعالى: (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)[طه: 66].
وهنا ليس المطلوب أن يخاف الناس بالثعبان .ففي المناسبات العديدة يشاهد الناس الحبال والعصي مع السحرة تتحرك بسحر العيون وهذا النوع من السحر أردأ اعمال السحر ، وأيضا ليس المطلوب أن تتحول العصا إلى حية، بل المطلوب أن تتحرك العصا وتلتهم جميع الحبال والعصِيَ بشكل حقيقي، لإقناع السحرة والناس بأن حبالهم تمثل السحر والباطل، وعصا موسى تمثل الحق والصدق، ولذلك يقول تعالى:
(قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [الأعراف: 115-122].
ونستطيع أن نستنتج أن الله تعالى حددتحديداًدقيقا في كلماته وأن الكلمة القرآنية تأتي في مكانها المناسب، ولا يمكن إبدال كلمة مكان أخرى لأن ذلك سيخل بالجزء البلاغي والبياني للقرآن الكريم الذي قال الله عنه:
(لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 42].


هذا من ناحية السرد البياني البلاغي للقران الكريم .....
فماذا عن علم اللغة آبان عصر اللغة المعاصر لفترة لسيدنا موسي عليه السلام..

فيجب ان نبحث لكي نطابق ما جاء فى القران الكريم على الواقع لاثبات صحة المكان.
الاستاذ الدكتور على فهمى خشيم فى كتابة (آلهة مصرالعربية) الهيئة المصرية العامة للكتاب
المجلد الاول صفحة 184
يقول...
** (صورة ثعبان) ؛ط (طاء) .. t
معنى الرمز الهيروغليفى  ((افعى؛حية)) (snake)

يكتب الباحثون المقابل اللاتينى لهذا الحرف \ الرمز بأشكال مختلفة : tj&the&dj&d
وذلك بحسب تصور كل منهم للطريقة المثلى لمقابلته بالحروف اللاتينية والنطق الذى يراه مناسبا له.
وهو فى مفردات كثيرة يقابل فى العربية حروف :د&ذ&ج&ش&ص&ض&ظ&ط&
كما يقابل احيانا :س&ز .
وهو كثير التعاقب مع حروف الدال , مما يجعله اقرب الى التاء المفخمة , او هو حرف الطاء فى العربية التى نقابله به نظرا لما نراه من نشاته الاولى .
يقول "غاردنر" (ص 476) إن أصله كلمة مصرية ينقلها الى اللاتينية dt وينقلها "بدج" tchst ومعناها لديهما  "حية" .
ومن رأينا ان هذه الكلمة تقابل العربية "طوط" (وجذرها: طط) .

ويورد ابن منظور مايلى فى شأنها :
"الطوط:الحية. قال الشاعر:
ما ان يزال لها شان يقومها **مقوم مثل طوط الماء مجدول"
و"طوط الماء" هو ثعبان الماء , وهو حيوان سابح طويل . ولعل المعنى البعيد للطوط هو الطويل, جاء من الطول .ويضيف ابن منظور:
"الطاط وطوط :مفرط الطول .وقيل :هو الطويل _فقط_ من غير ان يقيد بافراط ".ولعل الافعى (الحية) سميت طوطا لطولها . ويقول : "والطوط والطاط: الرجل الشديد الخصومة ,وربما وصف به الشجاع ".وهذا من باب تشبيه الرجل الشديد الخصومة بالافعى. ولا ننسى ان كلمة " الشجاع " ذاتها تعنى الجسور المقدام
كما تعنى الافعوان او ضربا من الحيات لعله المقصود بالتسمية "الطوط "او "الطاط" كما يسمى الاشجع .و"الاشجع":ضرب من الحيات ... وهو الشجاع والشجاع ,بضم الشين و كسرها . قال شمر فى ( كتاب الحيات)
: هو ضرب من الحيات لطيف دقيق . وهو,زعمه , اجرأها. وقيل:هو ضرب من الحيات صغير.
وقيل : هو الخبيث المارد منها".
والمهم ان " الشجاع"هو "الطوط" او "الطاط".وهذه هى dt المصرية (الكوبرا) وهى اصل حرف الطاء فى رمزه الهيروغليفى.
ويؤيد ما ذهبنا اليه ما يراه "ولفنسون" "تاريخ اللغات السامية _ ص 99 _100"من انه رغم مغايرة ابجديه الخط الكنعانى للقلم الهيروغليفى والمسمارى فإن من المحتمل ان مخترعى هذا الخط كان لهم المام بهذين القلمين , ويحتمل انه استعانوا ببعض صور وعلامات هذين الخطين لاختراع قلمهم الجديد . ونحن نجد لمعانى الحروف الكنعانية علاقة بالصور , كما سبقت الاشارة , ومن ذلك حرف"الطاء"فى هذه الابجدية الذى يسمى " طيت"ومعناه"حنش"(العربية:طوط,طاط).


ويذكر الشيخ نسيب الحازم (من الساميين الى العرب ,ص39) ان حرف "الطاء"_وهو يسميه :التاء المفخمة _تسمى فى الكنعانية "طيط". وهو ما يقابل العرببة(طوط,طاط) والمصرية dt.
والحيات ,كما تعلم ,ضروب وانواع .وقد اتخد عرب مصر الاقدمون صنفين منها رمزا هجائيا:الاول _الحية القرناء horned viper وشكلها (صورة الثعبان) تسمى "ف ت" (f_t) ومنها نشأ حرف الفاء كما مر بنا من قبل .
والتانى _ الكبرى . ومنها حرف الطاء , وما يتعاقب معه من اصوات , كما علمت منذ قليل :وهى فى نقحرتها اللاتينية dt . لكن هناك حية ثالثة تسمى " ح ف ء و"h f 3 w (افعوان serpent) ورابعة تقحرتها اللاتينية dd وهى مختلفة الشكل عن غيرها هكذا (صورة ثعبان ) _ عبارة عن حنش طويل رقيق ينقله "غاردنر" (ص 476) الى الانكليزية worm_وهى ما تقابل العربية "دود",
هل لاحظت الصلة اللغوية والمعنوية بين "طوط " و "دود" فى العربية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

انها نفس الصلة بين dt & dd فى المصرية . ولا عجب اليست كلها حناشا طويلا " طوطة " او هى " دودة" تسعى ؟؟ **
*ونجد تكملة ما سبق شرحه فى ص414

** وقد ذكر " بدج "ان "دوءت عنت عند المصريين " المكان الخفى " غير المرئى , الغيب unseen فما هو المكافى العربى هنا ؟ انه الجذر " طوي \ طوا "ومنهم الطوية (الضمير \المضمر) و"طى الغيب" اى " عالم الغيب" =مخفى , غيرمنظور . وهذا ما يقابل الامهرية (وهى اللغة العروبية) :"تى" موئنثة : " طيت= طية
.
ومع هذا لا يغيب عن بالنا التقاليد المصرية المعروفة فى تحنيط اجساد الموتى و"طيها"المومياوات ,فهى "
الطوية (المطوية ). هذا كله جائز , لمعرفتنا بميزة اللغة المصرية , كالعربية , فى استخدامها الفاظا تودى جملة معان مرتبط بعضها ببعض
وان بعدت فى الظاهر . وقد كان المصريون يعتقدون ان ارض الاموات (مهما كان اصل تسميتها " دوءت") عبارة عن " سهل "يقع خلف جبل محيط بالدنيا يشبه تصور بعض كتاب المسلمين عن جبل قاف ,كما ذكر "بدج",هنا ينصرف الذهن الى كلمة جاءت فى الران الكريم "الوادى المقدس ", وهى كلمة " طوى" , اذا وقف موسى بالوادى المقدس فخوطب :{{ انى انا ربك فاخلع نعليك انك بالوادى المقدس طوى (12) }} طه
{{اذا ناداه ربه بالوادى المقدس طوى (16) }}النازعات

ويتفق معظم المفسرين على ان " طوى " اسم للوادى المقدس الذى خوطب فيه موسى , ولكنهم يختلفون فى اصل التسمية ذاتها .
فلننظر فى بعض ما جاء عنها (لسان العرب)تحت مادة"طوى "
"قال الجوهرى : طوى اسم موضع بالشام , تكسر طاؤه وتضم ويصرف ولا يصرف فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة ومن لم يصرفه جعله اسم بلده وجعله معرفة ... ابن سيدة : وطوى وطوى :جبل بالشام . وقيل : هو واد فى اصل الطور . وفى التنزيل (انك بالواد المقدس طوى). قال ابو اسحاق:طوى اسم الوادى, ويجوز فيه اربعة اوجه. طوى بضم الطاء بغير تنوين وبتنوين ...واذا كثر فنون فهوى طوى ... ومن لم ينون جعله اسما للبقعة . قال : ومن قرأ بالكسر فعلى معنى المقدسة مرة بعد مرة ... وقالوا فى قوله تعالى..
{{ بالواد المقدس طوى }} اى طوى مرتين قدس .
وقال الحسن : سنيت فيه البركة والتقديس مرتين " .
ويضيف ابن منظور ذو طوى :واد بمكة . قال ابن الاثير ذو طوى , بضم الطاء وفتح الواو المخففة , موضع عن باب مكة يستحب لمن دخل مكة ان يغتسل به ".
5فهل يفوتنا هنا ان نلاحظ صلة "طوى " بطور سيناء , وكوونوا واديا بمكة او عند بابها , يستحب لمن دخلها ان يغتسل به ؟؟؟

هل تفوتنا هذه الصلاة اللغوية والدينية ذات الدلالة البينية ؟؟
لقد رأينا " طوى " اسما لموضع , ولجبل بالشام , ولواد فيه اصل الطور واسما لبلده وبقعة ,مما يعنى ان اللفظ كان معروفا عند العرب تسمى به الاماكن .
فهل تكون "دوءت"هى طول مضافا اليها تلاء التانيث ؟؟
وقد تعاقبت الدال والطاء كما حدث فى الامهرية ؟
ولا باس من وجود الهمزة ؛فقد وردت " طواء " عند ابن منظور كذلك (=طوء)فاذا انثت كانت "طواءة"(=طوءت =دوءت) وتبقى الاشارة الاخيرة الى علاقة القدسية و التقديس ب"طوى"وهى "الوادى المقدس".ونحن نعرف اى حد فى التقديس كان لام "دوءت", بل نقول ان هذا التقديس لا حد له فى الواقع ,
فذلك هو مكان الالهة العظيمة فى نظر المصريين , بعالم الاموات والارواح الخالدة
, محل الحساب والثواب والعقاب , وهو ما كان يشغل ذهن المصرى القديم منذ ولادته حتى مماته, فهو اقدس المواقع على الاطلاق ***

....نستنتج من ذلك عظمة القران الكريم ان يخاطب الجميع فيصف الله عصا موسى بانها تحولت الى ثعبان عظيم وتارة اخرى رأها موسى تهتز كانها جان ومن المعلوم ان الجان من صفاته الانخفاء فلا نراه باعيننا والحية نوع من الافاعى وكلها من الطاى ومنها طوى .
اذا كلمة طوى توصف بالمكان المخفى وتوصف بالثعبان وتوصف بالجان *.

وقد ظهر المعنى حسب عقلية المصريين القدماء بمنطقة ما بعد الموت وهي عندهم ربما منطقة غياب وغروب الشمس ( موتها) أو تحت الأرض ( فترة 12 ساعة الليل من أفول الشمس حتى بزوغها) أو بالعالم المقدّس الذي سمّوه الطواة أو الدواة بلسانهم وهو قريب لغة أو مطابق للفظ العربي ( طوى) بالقرآن [إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى {12}‏ طه]، لذلك وقبل أن نختم الموضوع علينا أن نأخذ فكرة ولو مقتضبة عن التعبير المصري طوات/ دوات، لأنه تعلق بلفظة جهنّم المصرية . فكما علمنا ورد بالقرآن ذكر الوادي المقدّس (طوى) ولعله (من معنى العلو والسمو) أي من قداسته. وبالعربية العديد من اللهجات التي تتشابه مع هذه اللفظة ومعناها . [اللسان: تطاءت الاسعار غلت. طاحي (مرتفع). [اللسان: وقال بعضُ العرب في يمينٍ له: لا والقمرِ الطاحي أَي المُرْتَفِعِ]، ولعل الإله المصري الذي كان رمز العلم والمعرفة (ضحوتى/ تحوتي/ طحوتي) ،وهو متعلّق بالقمر،لغة غير بعيدة في ذلك. وسمّت مصر عالم أو ناحية من السماء باسم دوا/دوات (ما وراء هذا العالم ،لعلهم أرادوا عالماً مقدّساً أو عالياً سماوياً) وسمّت الدعاء والتقديس (دوا) [دوا/توا أسر خنتي أمنتت (=القداسة/السمو لعثتر قاطن عمنة "عالم النور والخلود/ما وراء العالم"). ص 241 ] ونجمة الصباح دوا، [ص 130 : "دوا تو م تواية " أي (يقدّسك/يرفعك في طلوعك/شروقك) ،[ ص 233]



...ولنعود الي موضوعنا.
إن المتتبع للسياقات القرآنية التي تتحدث عن قصة اللقاء الشهير لموسى مع ربه يستطيع أن يحدد بالضبط المكان الذي تم فيه اللقاء، فهو بلا شك المكان الذي تتوافر به العناصر الجغرافية التالية:
الواد
َهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ (9) إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) (طه 9-12)

الطور
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (القصص29)

ج. شاطىء الواد الأيمن و البقعة المباركة و الشجرة..
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص30)

وتوافرت عوامل لحظية وهي النار:
إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) (النمل 7-9)

من عجائب القرءان انه يضع لفظة ((الغربى)) موضع ((الطور )) مطابقا ومرادفا له فى قوله عز وجل (وما كنت بجانب الغربى اذ قضينا الى موسى الامر ) القصص-44
ثم يكرر الغربى بلفظ الطور لا يفصل بين القولين الا اية..
(وما كنت بجانب الطور اذ نادينا ) القصص-46
وكأن الغربى بذاتها وبمحض لفظها اسم موضوع لهذا الطور المبارك. وقد ظن بعض مفسرى القرءان مثال الامام القرطبى ان الغربى خلاف الطور فقالوا ان الطور هو موضع المنادة الاولى ليلة انس موسى من جانب الطور نارا فاراد ان يقتبس..
اما الغربى فهو موضع انزال التوراة وتلقى الالواح فى مواعدة موسى ثلاثين ليلة أتمهن بعشر ولايصح هذا الذى قالوا به لقول الله عز وجل فى تعيين موضع المواعدة...
(يا بنى اسرائيل قد انجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الايمن ) طه-80

وعليه ....
فجانب الطور الايمن اذن وجانب الغربى سواء والغربى والطور واحد التى جاءت فى كل القران ثلاث مرات فقط كلها فى وصف جانب هذا الطور او شاطئه والجانب والشاطئ واحد ثم وصفه بانه (الغربى) التى وردت فى القرءان مرة واحدة هى فى اسم هذا الطور المبارك او جانبه فقالوا ان الجبال لايمين لها ولايسار ولاغرب ولا شرق وانما هو الذى على يمين موسى والى الغرب من موسى..

ففي قوله تعالي.. نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ نجدها لاتفيد البحث
لذلك نجد مايفيد ويكمل مانصبو اليه في قوله تعالي..
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (القصص44)


وثانيهما، المكان الذي تم فيه لقاء موسى ربه:
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل 7-9
فالله سبحانه قد بارك المكان الذي حول النار، وهوكذلك قد بارك المكان الأوسع:
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)
وكانت هي الأرض التي ورثها القوم الذين استضعفوا:
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)

وهي نفسها التي توجه إليها إبراهيم ولوط بعد ما جاء القحط وكاد يقتلهم هم وماشيتهم:
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ الأنبياء (71)

وهي نفسها التي كانت تجري فيها الرياح مسخرة لسليمان:
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ الأنبياء (81)

ولو دققنا في مفردات هذه الآيات لوجدنا التحديد الجغرافي للمكان، فعندما يذكر الله سبحانه لفظة تلك الأرض تكون المباركة فيها:
مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا
إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا

ولعلنا نعلم جميعاً أن واحدة من معاني حرف الجر "في" هو داخل الشيء، فليست البركة للأرض كلها وإنما لجزء منها داخل تلك الأرض، وإذا كنا قد علمنا تلك الأرض بشكل عام، فكيف نحدد المكان المبارك بشكل خاص؟
إننا نعتقد أن المكان الذي تمت المباركة حوله هو بالضبط ما ورد في معرض الحديث عن اللقاءات الشهيره التي حصلت لموسى مع ربه، وهي مكان النار:

ولا شك أن جميع شرائع الأرض تقدس تلك البقعة الجغرافية من الأرض في حين أن تلك الشرائع لم تتولد فيها، فهي ليس أرض مولد وشريعة موسى، وهي ليست الأرض التي ولد فيها عيسي أبن مريم وهي ليست موطن رسالة محمد صلوات الله عليهم اجمعين، ولكن جميع تلك الشرائع تقدس تلك البقعة من الأرض وتعتبرها أرض مباركة، وياتي سؤالنا عن سر هذا التقديس وهذه العلاقة مع تلك البقعة من الأرض على وجه التحديد..


وفي القصة نطرح سؤالاً آخر غريباً لكنه يلفت الإنتباه وهو عندما ذهب موسى عليه السلام ليستطلع خبر النار، ناداه ربه على النحو التالي:

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى
والسؤال: لماذا طلب الله من موسى أن يخلع نعليه؟
ويأتي الجواب معللاً في الآية نفسها على نحو
" إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى"

أن موسى كان حينئذ في "واد"، وعندما عاد موسى للقاء ربه في المرة الثانية كان موسى أيضاً في نفس الواد، والدليل على ذلك هو أنه عندما طلب موسى رؤية الذات الإلهية مباشرة، كان رد ربه أن ينظر إلى الجبل، فالمنطقة بجغرافيتها تتضح في اللقائين، وعندما منّ الله على بعض بني إسرائيل نتق قوقهم الجبل:

وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأعراف (171)
ورفع فوقهم الطور، والمتتبع لقصة الطور يستطيع أن يلمح على الفور توافر عناصر الجغرافيا في المكان الذي نتحدث عنه:
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة (93)

وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا النساء (154)

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا مريم (52.51)

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ طه (80)

فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص)
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ القصص (46)
وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
الطور 1-5

ونعود لقصة النعلين طارحين السؤال السابق نفسه:
لماذا طلب الله من موسى أن يخلع نعليه في اللقاء الأول؟
إنها قدسية المكان والتي لايضاهيها موطيء في الارض نال قدسيتها....

نستنتج مما سبق مايلي...
ان المكان جغرافيا يجب أن يتوافر فيه وادي فسيح وعن يمين موسي عليه السلام وهو ماضي في طريقه نحو النارجبل شريطة أن يكون عن يمينه وفي نفس الوقت يكون غربا وفي الجهة المقابلة لهذا الجبل جبل ثاني يكون شماله وايضا في نفس الوقت شرقه كيف؟؟؟

وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (القصص44)


يقول الامام الرازي...
اعلم أن في الآية سؤالات :
السؤال الأول : الجانب موصوف ، والغربي صفة ، فكيف أضاف الموصوف إلى الصفة؟ الجواب : هذه مسألة خلافية بين النحويين ، فعند البصريين لا يجوز إضافة الموصوف إلى الصفة إلا بشرط خاص سنذكره ، وعند الكوفيين يجوز ذلك مطلقاً حجة البصريين ، أن إضافة الموصوف إلى الصفة تقتضي إضافة الشيء إلى نفسه ، وهذا غير جائز فذاك أيضاً غير جائز ، بيان الملازمة أنك إذا قلت جاءني زيد الظريف ، فلفظ الظريف يدل على شيء معين في نفسه مجهول بحسب هذا اللفظ حصلت له الظرافة ، فإذا نصصت على زيد عرفنا أن ذلك الشيء الذي حصلت له الظرافة هو زيد ، إذا ثبت هذا ، فلو أضفت زيداً إلى الظريف ، كنت قد أضفت زيداً إلى زيد ، وإضافة الشيء إلى نفسه غير جائزة ، فإضافة الموصوف إلى صفته وجب أن لا تجوز ، إلا أنه جاء على خلاف هذه القاعدة ألفاظ ، وهي قوله تعالى في هذه الآية : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربى } وقوله : { وَذَلِكَ دِينُ القيمة } [ البينة : 5 ] وقوله : { حَقُّ اليقين } [ الواقعة : 95 ] { وَلَدَارُ الأخرة } [ النحل : 30 ] ويقال صلاة الأولى ومسجد الجامع وبقلة الحمقاء ، فقالوا التأويل فيه جانب المكان الغربي ودين الملة القيمة وحق الشيء اليقين ودار الساعة الآخرة وصلاة الساعة الأولى ومسجد المكان الجامع وبقلة الحبة الحمقاء ، ثم قالوا في هذه المواضع : المضاف إليه ليس هو النعت ، بل المنعوت ، إلا أنه حذف المنعوت وأقيم النعت مقامه فههنا ينظر إن كان ذلك النعت كالمتعين لذلك المنعوت ، حسن ذلك وإلا فلا ، ألا ترى أنه ليس لك أن تقول عندي جيد على معنى عندي درهم جيد ، ويجوز مررت بالفقيه على معنى مررت بالرجل الفقيه ، لأن الفقيه يعلم أنه لا يكون إلا من الناس والجيد قد يكون درهماً وقد يكون غيره ، وإذا كان كذلك حسن قوله جانب الغربي ، لأن الشيء الموصوف بالغربي الذي يضاف إليه الجانب لا يكون إلا مكاناً أو ما يشبهه ، فلا جرم حسنت هذه الإضافة ، وكذا القول في البواقي ، والله أعلم .
السؤال الثاني : ما معنى قوله : { إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر } ؟ الجواب :
الجانب الغربي هو المكان الواقع في شق الغرب ، وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى عليه السلام من الطور ، وكتب الله ( له ) في الألواح والأمر المقضي إلى موسى عليه السلام الوحي الذي أوحى إليه ، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم يقول : وما كنت حاضراً المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى عليه السلام ، ولا كنت من جملة الشاهدين للوحي إليه أو على ( الموحى ) إليه ، ( وهي لأن الشاهد لا بد وأن يكون حاضراً ) ، وهم نقباؤه الذين اختارهم للميقات .
السؤال الثالث : لما قال { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الغربى } ثبت أنه لم يكن شاهداً ، لأن الشاهد لا بد أن يكون حاضراً ، فما الفائدة في إعادة قوله : { وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين } ؟ الجواب : قال ابن عباس رضي الله عنهما : التقدير لم تحضر ذلك الموضع ، ولو حضرت فما شاهدت تلك الوقائع ، فإنه يجوز أن يكون هناك ، ولا يشهد ولا يرى .

الامام ابن كثير...
قال الله تعالى: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأيْمَنِ } أي: من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب، كما قال تعالى (6) : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ } ، فهذا مما يرشد إلى أن موسى قصد النار إلى جهة القبلة، والجبل الغربي عن يمينه، والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء في لحْف الجبل مما يلي الوادي، فوقف باهتًا في أمرها، فناداه ربه: { مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ } .

وهتا يكون الشرط الاول من انه الجبل الذي عن يمين موسي عليه السلام غربا...
ثانيا ..الادلة المادية التي يجب وجودها ...

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (الاعراف143)

الامام الرازي...
الحجة الرابعة : من الوجوه المستنبطة من هذه الآية في إثبات جواز الرؤية قوله تعالى : { فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا } وهذا التجلي هو الرؤية ، ويدل عليه وجهان : الأول : إن العلم بالشيء يجلي لذلك الشيء ، وإبصار الشيء أيضاً يجلي لذلك الشيء . إلا أن الإبصار في كونه مجلياً أكمل من العلم به وحمل اللفظ على المفهوم الأكمل أولى . الثاني : أن المقصود من ذكر هذه الآية تقرير أن الإنسان لا يطيق رؤية الله تعالى بدليل أن الجبل مع عظمته لما رأى الله تعالى اندك وتفرقت أجزاؤه ولولا أن المراد من التجلي ما ذكرناه وإلا لم يحصل هذا المقصود . فثبت أن قوله تعالى : { فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا } هو أن الجبل لما رأى الله تعالى اندكت أجزاؤه ...

الامام ابن كثير...

وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال لموسى، عليه السلام: "يا موسى، إنه لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده"؛ ولهذا قال تعالى: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا }
قال أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: حدثنا أحمد بن سُهَيْل الواسطي، حدثنا قُرَّة بن عيسى، حدثنا الأعمش، عن رجل، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما تجلى ربه للجبل، أشار بإصبعه فجعله دكًا" وأرانا أبو إسماعيل بإصبعه السبابة (1)
هذا الإسناد فيه رجل مبهم لم يسم، ثم قال (2)
حدثني المثنى، حدثنا حجَّاج بن مِنْهال، حدثنا حَمَّاد، عن لَيْث، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } قال: "هكذا بإصبعه -ووضع النبي صلى الله عليه وسلم إصبعه الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر-فساخ الجبل" (3)
هكذا وقع في هذه الرواية "حماد بن سلمة، عن ليث، عن أنس". والمشهور: "حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس"، كما قال ابن جرير:
حدثني المثنى، حدثنا هُدْبَة بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } قال: وضع الإبهام قريبًا من طرف خنصره، قال: فساخ الجبل -قال حميد لثابت: تقول هذا؟ فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد، وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقوله أنس وأنا أكتمه؟ (4)
وهكذا رواه الإمام أحمد في مسنده: حدثنا أبو المثنى، معاذ بن معاذ العنبري، حدثنا حماد بن
سلمة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ [ جَعَلَهُ دَكًّا ] } (1) قال: قال هكذا -يعني أنه خرج طرف الخنصر -قال أحمد: أرانا معاذ، فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال: فضرب صدره ضربة شديدة وقال: من أنت يا حميد؟! وما أنت يا حميد؟! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول أنت: ما تريد إليه؟!
وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق، عن معاذ بن معاذ به. وعن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن سليمان بن حرب، عن حماد [بن سلمة] (2) به (3) ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد.
وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طرق، عن حماد بن سلمة، به. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (4) (5)
ورواه أبو محمد الحسن (6) بن محمد الخلال، عن محمد بن علي بن سُوَيْد، عن أبي القاسم البغوي، عن هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة، فذكره وقال: هذا إسناد صحيح لا علة فيه.
وقد رواه داود بن المحبر، عن شعبة، عن ثابت، عن أنس مرفوعًا [وهذا ليس بشيء، لأن داود ابن المحبر كذاب ورواه الحافظان أبو القاسم الطبراني وأبو بكر] (7) بنحوه (8)
وأسنده ابن مردويه من طريقين، عن سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، عن أنس مرفوعا (9) بنحوه، وأسنده ابن مردويه من طريق ابن البيْلِمِاني، عن أبيه، عن ابن عمر مرفوعا، ولا يصح أيضًا.
وقال السُّدِّي، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس في قول الله تعالى: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر { جَعَلَهُ دَكًّا } قال: ترابا { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } قال: مغشيًا عليه. رواه ابن جرير.
وقال قتادة: { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } قال: ميتًا.
وقال سفيان الثوري: ساخ الجبل في الأرض، حتى وقع في البحر فهو يذهب معه (10)
وقال سُنَيْد، عن حجاج بن محمد الأعور، عن أبي بكر الهذلي: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } انقعر فدخل تحت الأرض، فلا يظهر إلى يوم القيامة.
وجاء في بعض الأخبار أنه ساخ في الأرض، فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة، رواه ابن مردويه.
__________
زيادة من أ.
زيادة من أ.
المسند (3/125) وسنن الترمذي برقم (3074) ورواه ابن خزيمة في التوحيد برقم (113) من طريق معاذ بن جبل به.
في أ: "يخرجه".
المستدرك (2/320) ورواه ابن خزيمة في التوحيد برقم (114) وابن الأعرابي في معجمه برقم (405) من طريق عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة به.
في أ ك : "أبو محمد بن الحسن".
زيادة من أ.
ورواه ابن منده في الرد على الجهمية برقم (59) من طريق شعبة به.
ورواه ابن عدي في الكامل (1/350) من طريق أيوب بن خوط عن قتادة عن أنس مرفوعا وأيوب بن خوط متروك الحديث.
في أ: "بعد".

ظلال القران....
{ ولما جاء موسى لميقاتنا ، وكلمه ربه ، قال : رب أرني أنظر إليك } . .
إنها الوهلة المذهلة وموسى يتلقى كلمات ربه؛ وروحه تتشوف وتستشرف وتشتاق إلى ما يشوق! فينسى من هو ، وينسى ما هو ، ويطلب ما لا يكون لبشر في هذه الأرض ، وما لا يطيقه بشر في هذه الأرض . يطلب الرؤية الكبرى وهو مدفوع في زحمة الشوق ودفعة الرجاء ولهفة الحب ورغبة الشهود . . حتى تنبهه الكلمة الحاسمة الجازمة :
{ قال : لن تراني } . .
ثم يترفق به الرب العظيم الجليل ، فيعلمه لماذا لن يراه . . إنه لا يطيق . .
{ ولكن انظر إلى الجبل ، فإن استقر مكانه فسوف تراني } . .
والجبل أمكن وأثبت . والجبل مع تمكنه وثباته أقل تأثراً واستجابة من الكيان البشري . . ومع ذلك فماذا؟
{ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } . .
فكيف كان هذا التجلي؟ نحن لا نملك أن نصفه ، ولا نملك أن ندركه . . ولا نملك أن نستشرفه إلا بتلك اللطيفة التي تصلنا بالله ، حين تشف أرواحنا وتصفو ، وتتجه بكليتها إلى مصدرها . فأما الألفاظ المجردة فلا تملك أن تنقل شيئاً . . لذلك لا نحاول بالألفاظ أن نصور هذا التجلي . . ونحن أميل إلى اطراح كل الروايات التي وردت في تفسيره؛ وليس منها رواية عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - والقرآن الكريم لم يقل عن ذلك شيئاً .
{ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } . .
وقد ساخت نتوءاته فبدا مسوًّى بالأرض مدكوكاً . . وأدركت موسى رهبة الموقف ، وسرت في كيانه البشري الضعيف :
{ وخر موسى صعقاً } .
مغشياً عليه ، غائباً عن وعيه .
{ فلما أفاق } . .
وثاب إلى نفسه ، وأدرك مدى طاقته ، واستشعر أنه تجاوز المدى في سؤاله :
{ قال : سبحانك! } . .
تنزهت وتعاليت عن أن ترى بالأبصار وتدرك .
{ تبت إليك } . .
عن تجاوزي للمدى في سؤالك!
{ وأنا أول المؤمنين } . .

مما سبق يثبت يقينا أن الجبل اليمين الغربي من الوادي لابد وأن يكون به جزء دك دكا وسوي بالارض وقد ساخت نتوءاته فبدا مسوًّى بالأرض مدكوكاً

الدليل المادي الثاني ...

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة (93)

وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا النساء (154)

الامام الرازي...
أنه تعالى رفع فوقهم الطور بميثاقهم ، وفيه وجوه : الأول : أنهم أعطوا الميثاق على أن لا يرجعوا عن الدين . ثم رجعوا عنه وهموا بالرجوع ، فرفع الله فوقهم الطور حتى يخافوا فلا ينقضوا الميثاق . الثاني : أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة فرفع الله الجبل فوقهم حتى قبلوا ، وصار المعنى : ورفعنا فوقهم الطور لأجل أن يعطوا الميثاق بقبول الدين . الثالث : أنهم أعطوا الميثاق على أنهم إن هموا بالرجوع عن الدين فالله يعذبهم بأي نوع من أنواع العذاب أراد ، فلما هموا بترك الدين أظل الله الطور عليهم وهو المراد من قوله { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور بميثاقهم } .

الامام ابن كثير...

{ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ } وذلك حين امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة، وظهر منهم إباء عما جاءهم به موسى، عليه السلام، ورفع الله على رؤوسهم جبلا ثم ألزموا فالتزموا وسجدوا، وجعلوا ينظرون إلى فوق رؤوسهم خشية أن يسقط عليهم، كما قال تعالى: { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (6) } [الأعراف: 171].

مما سبق ثبدت انه لابد من وجود نتق جزء ليس باليسير من الجبل....


ولوجود العلم الحديث في زماننا هذا من علوم الارض ستجعل من اليسير علميا تحديد الموقع علي أسس علمية بحثية وليس أسس ظنية كما أسلف كل فريق بنظريات ظنية أكثر منها أسس علمية بحثية صحيحة !!!!!