المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : -- الخط العربي ...بين ماض متجذر...وحاضر متغير



RSS
16-04-2011, 04:10 AM
بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، والصلاة والسلام على المفرد العلم ، سيد العرب والعجم ، وعلى آله وصحبه..ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر..
وبعد...فإن الخط العربي ضارب الجذور ، عريق البدايات ، متألق الأواسط ، ساحر النهايات..
وهو –قبل أن يغدو قائماً بذاته-كان وسيلة للتخاطب والتفاهم ، وتبرئة الذمم ، ووعاء للعلوم والمعارف الأخرى..
ولكن..كيف تحول من قيمته اللفظية الأولى إلى قيمته الجمالية الإمتاعية كفن تشكيلي وتجريدي-في آن معاً-مع بقاء قيمته الأولى...؟
هذه قصتنا...وفيها يكمن بيت القصيد...وعليها يدور محور محاضرتنا..بين ماضيه وحاضره.
طبعاً ..انتقال الخط من القيمة اللغوية الجمالية لم يتم بين عشية وضحاها ، كما أنه لم يخترع اختراعاً مفاجئاً من قبل فرد معين..
وإنما اكنمل بدره وأشرقت شمسه تدريجياً-عبر توالي الحقب-بفضل جهود أعلامه الكبار-كل في نطاق عصره-..أولئك الذين أفنوا بريق عيونهم في تجميل عيون الخط ، وأحنوا ظهورهم في سبيل استقامة ألفاته ، وحبسوا أنفاسهم في إطلاق مدوده ، وجاعوا من أجل إشباع كؤوسه وعراقاته ، ومرضوا ليبقى محبوبهم المدلل-فن الخط-سليماً معافى..
كل عَلَم من أولئك الأعلام أضاف إلى صرح الخط العربي لبنةً ..أو ربما أقل..
و لكن تضافر الإضافات وتلاحمها وتناغمها أوصل فن الخط العربي إلى هذه المكانة المرموقة والمعلومة..والمشهود له بها من القاصي قبل الداني..ومن البعيد قبل القريب ..ومن العدو قبل الصديق.
كيف لا ؟؟ وهو الفن السامي الراقي الشامخ ، والمعبر عن شخصية أمتنا العربية و الإسلامية حتى غدا و احداًمن أجلى مظاهر حضارتها .
هذه التحسينات المتلاحقة على فن الخط بكل أنواعه... وفي أدق مفاصله وتفاصيله.. والتي لا تزال قائمة مستمرة إلى يومنا هذا .. هي مصداق سنة الله تعالى وناموسه الضابط لهذا الكون في تطرو العلوم والفنون بشكل عام –كل يوم نحو الأفضل والأجمل والأكمل .
لا تقل : قد ذهبت أربابه (كل من سار على الدرب وصل)
انطلاقاًمن هذا البيت الشهير لابن الوردي أقول : ينبغي –بل لابد أن يكون اللاحق خيراًمن السابق ، وهذا من منطق الأشياء وتسلسلها في هذا الكون الرحيب.. ذلك أن اللاحق الموهوب لديه فرصة التفوق على سلفه لسببيبن :
أولهما : اطلاعه النظري والعملي على خبرة من سبقه من خلال دراستها نظرياً ومحاكاتها عملياً.. كما هو معروف لدى الخطاطين في بداية تعلمهم (المشق على آثار من سبقهم).
ثانيهما : موهبته وفراسته الخاصة التي حباها الله إياها ..فإذا استطاع مزج خبرته الكبيرة التي استقاها من محاكاة أعمال من سبقه مع موهبته وعطائه الخاص أخرج للناس السحر الحلال الذي يدهش الأبصار ويسلب البصائر –وهذا هو منتهى المراد-...وإن أخفق..فيكفيه شرف المحاولة..
وربما جاء من بعده واطلع على تجربته...فحمل الراية من بعده مستفيداً منها إيجاباً أو سلباً..وهكذا دواليك........
إن الفتى من يقول : ها أنذا ليس الفتى من يقول كان أبي
انطلاقاً من هذا البيت النفيس أدعو الخطاطين المعاصرين في كل مكان...أن يتلمسوا الطريق الصحيح للوصول إلى منطقة الإبداع والابتكار ..التي هي النتيجة المنطقية لمرحلة المحاكاة والتقليد ، وذلك بالبحث والتنقيب عن الثغرات التي خلفها لنا الأساتذة الراحلون ، ومن ثم محاولة الدخول إلى مناطق إبداعية جديدة لم تسبر أغوارها من قبل .
ولابد للمعاصرين أن يضعوا نصب أعينهم أنهم ليسوا أقل شأناً ممن سبقهم..مع وجود الاحترام والتقدير والتبجيل لأعمال الراحلين عليهم رحمة الله..فهم أساتذتنا وتيجان رؤوسنا ، ومنهم تعلمنا ، وهم الذين أوصلوا فن الخط إلينا على هيئته الحالية السامقة...
ولكن احترامنا وتقديرنا لهم يجب أن لا يصل إلى مرحلة التقديس والتهويل..ووصف أعمالهم بالكمال المزعوم ، وأنهم وصلوا بالخط إلى مرحلة لا زيادة فيها !!-كما نقرأ في بعض المؤلفات الخطية-!! والتي تسبب الإحباط لخطاطي الأجيال الجديدة ، وتجعلهم تابعين –عديمي-الحيلة لمن يمشقون عليهم.. فلا يتحررون من الدوران في فلكهم طوال حياتهم .
والصواب : أن يحترم اللاحق السابق احترام الولد لأبيه-وهو يتطلع إلى التفوق عليه ، وتحقيق ما لم يحققه الأب ...-وهذا أكثر ما يسعد الأب بكل تأكيد-.
يعيش العالم العربي والإسلامي اليوم فترة ذهبية من تاريخ فن الخط العربي ، حيث أفرزت المناسبات الشريفة في المسابقات الدولية منذ عام 1406\1986 ..وحتى اليوم أقلاماً قوية متألقة في مختلف أنواع الخط ، وبفضل سهولة التواصل الالكتروني عبر العالم أصبحت النماذج الخطية القوية متاحة للجميع ، وهناك أجيال موهوبة من الشباب الواعدين بالعطاء تظهر كتلاحقة بين الفينة والأخرى ..
كما أصبح هناك تلاميذ كثر لأساتذة الخط المعاصرين-من خلال التواصل الالكتروني...وهذا ما لم يكن متاحاًقبل 30 عاماً مضت..وهو يبشر على المدى المنظور بمستقبل باهر لفن الخط العربي..
مثال : منذ 50 عاماً..كان هناك في كل بلد اسم لامع...أو اثنين...أو ثلاثة .
مثلاً في العراق :هاشم ، وفي سورية : بدوي ،وفي تركيا : حامد ، وفي مصر : سيد إبراهيم.
واليوم : نجد في كل بلد من هذه البلدان ما لا يقل عن عشرة أسماء لامعة متألقة ، إضافة إلى الخليج العربي والمغرب العربي ، حيث بدأت أسماء جديدة بالظهور تضاهي في روعتها مستوى كبار الرواد الراحلين ، وبعضها بدأ يتلمس الطريق الصحيح لمحاولة الابتكار والتفوق..
بدوي وهاشم والكبار جميعهم ذرفوا البكاء لضاحك الأوراق
صاغوا عيوناً من بريق عيونهم حوراً ، فأضحت مصرع العشاق
تلك المراتب لا تنال تيمناً فافتح لعزمك منفذ الإعتاق
ببكاء الأقلام تضحك الصحف ، والقلم أحد اللسانين ...إذ إن اللغة تؤدي بلسان النطق تارة..وبلسان القلم تارة أخرى ..
وهذا يؤكد الأهمية البالغة لفن الخط العربي ، ويدعونا لزيادة الاهتمام الرسمي والشعبي به ، والعض بالنواجذ على الإنجازات الخطية التي وصلنا إليها في هذا الفن الرفيع ، الذي يكفيه شرفاًوعزاً قسمه تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (ن.. والقلم وما يسطرون) صدق الله العظيم.
إذا افتخر الأبطال يوماً بسيفهم وعدّوه ممّا يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتّاب عزّاً ورفعةً مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم



من موقع جمعية الأصالة الثقافية