المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مافيا الحديد تعرقل الاستيراد‏!‏



محمد المصري
20-11-2008, 06:20 PM
مافيا الحديد تعرقل الاستيراد‏!‏


تحقيق‏:‏ نادية منصور الاهرام (http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=inve1.htm&DID=9772)
http://www.ahram.org.eg/archive/2008/11/20/44544_39m.jpg
في وقت تحدث فيه أزمات متتالية في سوق الحديد‏,‏ من حيث نقص الكميات المعروضة للبيع‏,‏ وارتفاع الأسعار مؤخرا‏,‏ وفي وقت يعلن فيه المسئولون عن فتح باب الاستيراد لتلبية احتياجات السوق المحلية‏,‏ نجد أصابع خفية تلعب في سوق الحديد‏,‏ وتعرقل الاستيراد‏,‏ وتمنع وصول الصفقات‏,‏ أو تضع لها شروطا تعجيزية‏,‏ مما يفتح الباب أمام مافيا الحديد لخلق أزمة وبالتالي تكريس الاحتكار‏,‏ ورفع الأسعار‏!!‏

المهندس خالد البوريني‏(‏ مستورد حديد‏)‏ يقول‏:‏ رغم أنني استورد الحديد لكن لابد أن نعترف بأن الاستيراد ليس حلا‏,‏ بل هو سلاح ذو حدين‏,‏ لأنه لو حدث إغراق للحديد في السوق فسوف يؤدي إلي شلل في هذه الصناعة‏,‏ وتدمير للمصانع‏,‏ وتشريد للعمال وإضرار بالانتاج الوطني‏,‏ ولذلك يجب أن نتعامل مع المشكلة بحرص بالغ‏.‏

ومشكلة الحديد لدينا هي وجود تسعير خاطيء فبمجرد سماع ارتفاع أسعاره في الخارج‏,‏ ترتفع أسعاره محليا‏,‏ فهناك جشع تجاري‏,‏ والتجار يبالغون في الأسعار لتحقيق مكاسب والمصانع لها يد في تسريب شائعات‏.‏

وحل مشكلة الحديد مطبق في دول كثيرة ومنها الأردن ويتمثل في تكوين مجلس أعلي للصلب ومواد البناء يضم كل المصانع المنتجة‏,‏ وممثلا من الجمارك‏,‏ وضرائب المبيعات لضمان حق الدولة ويحدد كل مصنع طاقته الانتاجية‏,‏ وتكلفته كل سنة‏,‏ وتوضع خطة بالاحتياجات الفعلية للسوق‏,‏ وبالتالي يتم السيطرة علي النشاط المحلي في السوق‏,‏ وأيضا علي التصدير والاستيراد وتقنين المسألة‏.‏

أما استمرار هذا الوضع الحالي فلن يحل المشكلة لأن مشكلة الاسمنت تتكرر في الحديد والكل يعلم أن السبب هو أن الدولة تركت المصانع المنتجة للقطاع الخاص الذي يحتكر ويحدد السعر لمصلحته الخاصة علي حساب المصلحة الوطنية‏.‏ ونطالب أيضا بأن نعطي مصانع الدرفلة الفرصة لتعميق الصناعة وألا نجعل الأجانب يتحكمون في إنتاج المواد الداخلة في صناعة الحديد مثل البليت‏,‏ ووجود المجلس أيضا يضمن ثبات سعر الحديد كل ستة أشهر مما يحقق الاستقرار للتاجر والمقاول والمستهلك بدلا من تغير السعر كل شهر‏.‏

ولكي أتحدث عن المشاكل التي يواجهها مستورد الحديد فسوف أعرض تجربتي‏,‏ فقد شجعني المهندس رشيد وزير الصناعة والتجارة علي الاستيراد وبالفعل وصل أول مركب حديد مستورد قمت بالتعاقد عليها وبدأت المشاكل والعراقيل أمامي‏,‏ ومنها لابد من كتابة رتبة الصلب علي كل سيخ‏,‏ وقلت وقتها لايوجد مصنع في العالم يكتب الرتبة علي الأسياخ‏,‏ فمن الصعب تنفيذ ذلك‏,‏ وتدخلت الوزارة وتم استكمال الاجراءات ودخلت الشحنة‏.‏

باختصار هناك أصابع خفية تضع العراقيل أمام استيراد الحديد وقد بدأت هذه العراقيل منذ عام‏1994‏ عندما وضعت فكرة العلامة التجارية وكان المقصود بها تعطيل الاستيراد‏,‏ في هذه الفترة قام عدد كبير من المستوردين باستيراد‏200‏ ألف طن حديد من غير علامة تجارية وتم رفض دخول الشحنات وأفلس البعض بسبب هذه الكارثة‏.‏

أحد العراقيل التي وضعت أمامي عندما قمت باستيراد شحنة حديد قالوا أن وزن المتر الطولي للسيخ يزيد‏3‏ جرامات عن المواصفات المصرية‏,‏ برغم أن هذا لا يضر المنشأة بل يفيدها وتم رفض دخول رسالة الحديد ولم تدخل السوق‏!‏ أي ان المستورد لايجد الطريق أمامه ممهدا لاستيراد الحديد من الخارج‏,‏ وإدخاله السوق المحلية‏,‏ ولذلك لايتشجع المستورد علي خوض هذه التجربة‏.‏

ويضيف المهندس عز الدين أبو عوض‏(‏ رئيس الجمعية المركزية لوكلاء وتجار مواد البناء‏):‏ سعر الحديد المستورد أقل من المحلي ويتم استيراده من أوكرانيا وتركيا‏,‏ وهو مطابق للمواصفات ولا يقل جودة عن الحديد المصري‏,‏ ويصل ثمنه حتي وصوله الميناء‏3500‏ جنيه للطن لكن يواجه المستورد العراقيل والعقوبات قبل أن يستطيع إدخاله إلي السوق المصرية‏,‏ فمازال الاحتكار موجودا ولا توجد تسهيلات كافية لعملية الاستيراد ولذلك يعاني المستوردون وهذا يفسر ضعف نشاط استيراد الحديد للسوق المصرية‏,‏ ولذلك نحن نطالب بإلغاء رسوم الإغراق علي الحديد لتوفيره في الأسواق‏.‏

أما الأزمة الحالية فسببها زيادة الطلب عليه بسبب سلبيات من جانب المستهلك أدت إلي هذا التكالب‏,‏ وفي نفس الوقت منتجو الحديد لا يعطونه للمستهلك مباشرة بل بوكلاء وتجار بعينهم‏,‏ وهم يطرحونه بأسعار أعلي وفي منافذ معينة وبالتالي يصل للمواطن بسعر‏3950‏ جنيها للطن‏,‏ وقد قدمت بلاغا للنائب العام ضد مجموعة معينة من محتكري الحديد الذين يتحكمون في تسويقه واحتكاره‏.‏

ويوضح محمد سيد حنفي‏(‏ مدير غرفة الصناعات التموينية باتحاد الصناعات‏)‏ أن كل أطراف الحديد لديهم مشاكل سواء المصانع المنتجة‏,‏ والتجار‏,‏ وحتي المستهلك‏,‏ فالمصانع مشاكلها أن طاقتها الإنتاجية محدودة والطاقة الفعلية القائمة تقدر بنحو‏6‏ ملايين طن‏,‏ وهو إنتاج شبه منظم‏,‏ بالإضافة إلي مليوني طن تتم إضافتها لمصانع يمكن أن تعمل إذا توافرت لها سيولة‏,‏ ومصانع متعثرة وأخري صغيرة لا تنتج‏,‏ وقد بلغ استهلاك الحديد خلال العام الماضي‏5,2‏ مليون طن‏

وإذا تحدثنا عن سيناريو أزمة الحديد فقد وصل سعره في فبراير الماضي‏3650‏ جنيها للطن وبعدها ارتفع السعر العالمي بشكل حاد لدرجة أنه وصل في يونيو الماضي إلي‏1450‏ دولارا للطن‏,‏ وانعكس ذلك علي الأسعار محليا واستشعر المستهلك أن أسعار الحديد في تزايد لذلك بدأ يتصرف بطريقة غير طبيعية حيث يشتري أكثر من احتياجاته الفعلية‏,‏ فبدلا من أن يشتري علي مراحل حسب احتياج كل مرحلة في البناء‏,‏ يقوم بشراء كميات كبيرة مرة واحدة مما خلق طلبا غير مبرر‏

في الوقت الذي ظلت فيه الطاقات الانتاجية للمصانع كما هي غير قابلة للزيادة‏,‏ وفي نفس الوقت هناك نظام توزيع غير سليم‏,‏ لأن الوكيل أو الموزع يحصل علي الحديد من المصنع ويتصرف فيه بطريقة تحقق له المصلحة‏,‏ مما دفع وزارة الصناعة والتجارة للتدخل وتحديد سعر تسليم المصنع للتاجر والذي بدوره يعلن سعر تسليمه للمستهلك‏,‏ هذا الوضع استمر حتي يونيو الماضي‏,‏ وبدءا من يوليو الماضي انخفض الطلب علي الحديد والعالم

حيث بدأت موجة الحر في الهند‏,‏ والصين‏,‏ ودول الخليج‏,‏ ويتوقف نشاط البناء فيها فيقل الطلب‏,‏ وأدي ذلك أيضا إلي انخفاض الطلب المحلي لأن المستهلك شعر بأن السعر سينخفض وحصل ركود في المعروض‏,‏ وانخفاض في الأسعار من‏6300‏ جنيه إلي‏3800‏ جنيه للطن‏,‏ واستمر ذلك حتي أكتوبر ورفض بعض التجار تسلم حصص من المصانع خوفا من تراكم الحديد لديهم نتيجة هذا الركود‏

حتي جاءت الأزمة المالية العالمية والتي صاحبتها حالة ركود في السوق وفي الاستثمارات العقارية العالمية‏,‏ وانخفضت الاسعار ولكن بدون مقدمات‏,‏ تسربت شائعات بأن أسعار الحديد سوف ترتفع محليا‏,‏ برغم عدم وجود سند منطقي لهذا الكلام‏,‏ أو أساس‏,‏ لكن لتكالب التجار علي الحديد اختفي‏,‏ وأصبح المستهلك يبحث عن الحديد فلا يجده‏,‏ ووجدنا طابورا طويلا‏,‏ وزاد الطلب علي المعروض‏,‏ وطبعا استغل التجار والوسطاء هذه الفرصة وتلاعبوا في بيعه علي هواهم‏.‏

وللأسف المستهلك له دور كبير في صنع هذه الأزمة‏,‏ وهو الذي أعطي الفرصة للتلاعب في التوزيع والأسعار‏,‏ رغم أنهم يتسلمون من المصنع بسعر‏3900‏ جنيه للطن‏,‏ وعندما سمع المستهلك عن وجود قائمة انتظار طويلة في الطلب علي الحديد زاد التكالب‏,‏ وأعطي للمحتكرين الفرصة للتلاعب في التوزيع‏.‏ أما المستورد فهو أيضا يعاني لأنه يتعاقد علي الاستيراد في فترة‏,‏ ويصل الحديد بعد شهر من تاريخ التعاقد وهو لا يعرف ماذا سيكون سعر الحديد المحلي في السوق وقتها وبالتالي لا يعرف بكم سيبيع؟

وهذا هو سبب ضعف نشاط استيراد الحديد حتي الآن برغم عدم وجود جمارك مفروضة عليه‏,‏ بدليل أن الكميات التي تم استيرادها ودخلت السوق المصرية حوالي أربعة آلاف طن وهي كمية أقل من ربع الإنتاج اليومي في المصانع المصرية والتي تصل إلي‏15‏ ألف طن‏,‏ وبالطبع تحصل شركات المقاولات الكبري علي حصصها من المصانع مباشرة‏,‏ ولا تريد أن تجازف‏,‏ وتستورد‏,‏ وحتي يصل إليها قد يكون سعره أعلي من سعره في المصنع المصري‏,‏ وهذا يفسر حالة عدم الاطمئنان حتي الآن للتوسع في الاستيراد برغم إطلاق سراح كل عقبات الاستيراد‏,‏ وبدون جمارك‏,‏ ومواصفات المستورد لا تختلف عن مواصفات الحديد المحلي‏
.‏ لكن هناك شكاوي من وجود عقبات توضع أمام المستورد لكي تعرقل دخول الحديد المستورد للأسواق‏!‏

يجيب محمد سيد حنفي قائلا‏:‏ هذ الكلام مشكوك فيه لأن المصانع عندنا مراقبة‏,‏ ولا توجد شبهة لتعطيل الاستيراد فالإنتاج المحلي يفي بالاحتياجات‏,‏ والمنتج ملتزم بسعر ثابت‏,‏ ولا يوجد مبرر واضح يدعوه لعرقلة المستورد‏.‏

وفي رأيي أن حل الأزمة في يد المستهلك ذاته لأنه لو اشتري احتياجاته الفعلية فقط أو دون اللجوء للتخزين سوف يتوافر الحديد‏,‏ وسوف يلتزم التاجر ولن يستغل الظروف‏.‏