المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال يستحق القراءة



اميرة حبى انا
24-01-2011, 01:33 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقال يستحق القراءة والتفهم والإمعان
ومن ثم يستحق كاتبه دعوة بظهر الغيب أن يرحمه الله
عسى أن يكون صدقة جارية له بعد موته

نقطة من البحر المحيط

الدكتور / مصطفى محمود رحمه الله

http://www.vb.6ocity.net/imgcache/15752.imgcache.jpg

في ساعات الصفاء حينما تنقشع الغواشي عن القلب و تنجلي البصيرة،
و أرى كل شيء أمامي بوضوح، تبدو لي الدنيا بحجمها الحقيقي و بقيمتها الحقيقية،
فإذا هي مجرد رسم كروكي أو ديكور مؤقت من ورق الكرتون، أو بروفة توزع فيها الأدوار لاختيار قدرات الممثلين، أو مجرد ضرب مثال لتقريب معنى بعيد و مجرد و هي في جميع الأحوال مجرد عبور و مزار و منظر من شباك في قطار.

و هي الغربة و ليست الوطن.

و هي السفر و ليست المقر.

أعجب تماما و أدهش من ناس يجمعون و يكنزون و يبنون و يرفعون البناء
و ينفقون على أبهة السكن و رفاهية المقام.. و كأنما هو مقام أبدي..
و أقول لنفسي أنسوا أنهم في مرور؟.
ألم يذكر أحدهم أنه حمل نعش أبيه و غدا يحمل ابنه نعشه إلى حفرة يستوي
فيها الكل؟..
و هل يحتاج المسافر لأكثر من سرير سفري و هل يحتاج الجوال لأكثر
من خيمة متنقلة؟.

و لم هذه الأبهة الفارغة و لمن؟.

و لم الترف و نحن عنه راحلون؟.

هل نحن أغبياء إلى هذه الدرجة؟.
أم هي غواشي الغرور و الغفلة و الطمع و عمى الشهوات و سعار الرغبات
و سباق الأوهام؟.
و كل ما نفوز به في هذه الدنيا وهمي، و كل ما نمسك به ينفلت مع الريح.

و الذين يتقاتلون ليسبق الواحد منهم الآخر أكثر عمى، فالشارع سد عند نهايته
و كل العربات تتحطم و يستوي فيها السابق باللاحق، و لا يكسب أحد منهم إلا
وزر قتل أخيه.. بل إن أكثر الناس أحمالا و أوزارا في هذه الدنيا هم الأكثر كنوزا
و الأكثر ثراء، فكم ظلموا أنفسهم ليجمعوا، و كم ظلموا غيرهم ليرتفعوا على أكتافهم.

و لعلنا سمعنا مثل هذا الكلام و نحن نلهث متسابقين على الطريق..
فهو كلام قديم قدم التاريخ رددته جميع الأسفار و قاله جميع الحكماء و لكنا لم نلق
له بالا و لم يتجاوز شحمة الأذن.

ومازلنا نسمع و لا نسمع برغم تطور أدوات الاستماع و كثرة الميكروفونات و مكبرات الصوت، و لاقطات الهمس الإلكترونية من فوق الفضاء و من تحت الثرى.

ومازلنا نزداد صمما عن إدراك هذه الحقيقة البسيطة الواضحة و كأنها طلسم
مطلسم و لغز عصي على الأفهام.

هل نحن مخدرون؟.

أم هناك ما هو أقوى أثرا و أكثر شراسة من الخمور و المخدرات،
هي مادية العصر التي طبعت الناس بذلك الشعار المسكر؟ غامر و اكسب..
و انهب و اهرب.. و سارع إلى اللذة قبل أن تفوتك.. و عش لحظتك بملئها
طولا و عرضا و لا تفكر ماذا بعد فقد لا يكون هناك بعد.

نعم تلك هي الخدعة التي يستدرج إليها الكل..
إنه لا شيء سوى ما نرى و نسمع و نذوق و نلمس من ماديات، و أنه ليس وراء
هذه الدنيا شيء و نفوسنا الأمارة استراحت إلى هذه الفلسفة لأنها تشبع لها رغائبها
و تحقق لها مشتهياتها، و الحيوان في داخلنا اختارها لأنها تشبع غرائزه.

و تلك النفس هي الفتنة و الحجاب و هي التي أفرزت هذه الحضارة المادية
و روّجتها.

ألم يسأل داوود ربه: يارب كيف أصل إليك. فقال له ربه..
اترك نفسك و تعال..
أن يترك هذه النفس لأنها العقبة..
{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ *}
(11 – 13 البلد)

لا انفكاك من هذه العقبة إلا بالانفكاك من طمعك.. فتفك الرقبة و تطعم المسكين
و تؤثر غيرك على نفسك. و لذلك لم يطلب الإسلام من المسلم نبذ الدنيا وإنما طلب منه قمع النفس و كبحها و شكمها.. لأن النفس هي الأصل.. و الدنيا مجرد أداة
لتلك النفس لتختال و تزهو و تتلذذ و تستمتع.

إن النفس هي الموضوع و هي ميدان المعركة و محل الابتلاء، و الدنيا ورقة امتحانها، و مطلوب الدين هو الإرتقاء بهذه النفس و الارتفاع بها من شهوات البطن
و الفرج و من شهوات الجمع و الاكتناز، و من حمى الاستعراض و الكبر و التفاخر ليكون لها معشوق أرقى هو القيم و الكمالات، و معبود واحد هو جامع هذه الكمالات كلها..

و إنما تدور المعركة في داخل النفس و في شارع الدنيا حيث يتفاضل الناس
بمواقفهم من الغوايات و المغريات و ما تعرض عليهم شياطينهم من خواطر السوء
و من فرص اللذة كل لحظة.

و لم يطلب الإسلام من المسلم أن ينبذ الدنيا، بل طلب منه أن يخوضها مسلحا
بهذه المعرفة، فالدنيا هي مزرعته و هي مجلى أفعاله و صحيفة أعماله.

و قدم له فلسفة أخرى في مواجهة الفلسفة المادية..
قدم له فلسفة استمرار و بقاء فهو لن يموت و يمضي إلى عدم..
بل إلى حياة أخرى سوف تتعدد فصولا و تمضي به كدحا و جهادا
حتى يلقى ربه:
{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ}
( الانشقاق6)

الحضارة المادية لم تقدم للإنسان إلا الموت و حياة تمضي سدا و تنتهي عبثا..
أما الإسلام فقدم للإنسان الخلود و حياة تمضي لحكمة و تنتقل من طور إلى طور
وفقا لنواميس ثابتة من العدل الإلهي، حيث لا يذهب أي عمل سدى و لو كان
مثقال ذرة من خير أو شر..
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8)}
[الزلزلة: 7، 8]


نفعنا الله جميعاً بما نقرأ ونتعلّم

فريد
24-01-2011, 11:28 AM
بارك الله فيكى يااستاذة اميرة
و جزا الله الله يرحمه مصطفى محمود كل الخير
و اسكنه الله فسيح جناته
ورحمه و رحمك و غفر له و لكى و للمسلمين جميعا
و بالفعل هو مقال يستحق القراءة