المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 00 الحــــــــــــــــب البصــــــــــــــير



RSS
28-11-2010, 10:50 PM
الحب البصير



روى أحمد بن حنبل عن علي بن أبي طالب – بسند جيد – أنه قال لفاطمة : قد جاء أباكِ خدمٌ كثير ، فاذهبي فاستخدميه ( أي اطلبي منه خادمًا ) ، ثم أتيا إليه جميعًا ، فقالت فاطمة : يا رسول الله لقد طحنْتُ حتى كلَّت يدي ، وجاءك الله بِسَعَةٍ فاخدُمْنا – تعني اعطنا خادمًا – فقال : " والله لا أعطيك وأدَعُ أهل الصُّفةِ تطوى بطونهم من الجوع ، ثم قال : ألا أخبركما بخير مما سألتُماني ؟ قالا : بلى .قال : كلمات علمنيهن جبريل : إذا أتيتُما إلى فراشكما فاقرآ آية الكرسي ، وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين ، واحمدا ثلاثًا وثلاثين ، وكبِّرا أربعًا وثلاثين " .


صحّ عن سيدنا أبي بكر الصديق أنه قال : " ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته " . رواه البخاري .


وفي الصحيح أنه قال لعليّ : " واللهِ لَقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليّ أن اصلَ من قرابتي .


وقال سيدنا عمر بن الخطاب لسيدنا العباس ( عم النبي صلى الله عليه وسلم ) : واللهِ لَإسلامُك يوم أسلمتَ كان أحبّ إليّ من إسلام الخطاب لو اسلم ، لأن إسلامك كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب .


أنظر أيها المتلقي كيف أن شيخيْ هذه الأمة قد بلغ حبهما لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبلغ العظيم ، ومع ذلك عندما تصادمت العاطفة مع الحق فقد وقفا مع الحق .


هذه صفحة من كتاب ( فاطمة لزهراء ) للدكتورة بنت الشاطئ الذي تقول فيه عن الفترة التي تلت بيعة الناس لأبي بكر – بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى - :-


رجعت ( فاطمة ) إلى بيتها فلزمته ، فما راعها حين أصبحت إلا ضجة قد علت قريبا من الباب ، وتناهى إليها صوت عمر بن الخطاب يحاول أن يدخل وهو يُقْسم منذراً أنْ سوف يحمل عليّا على البيعة ( لأبي بكر ) اتقاء الفتنة وخوفا من تفريق كلمة المسلمين وانتثار قواهم ، فصاحت الزهراء بملء لوعتها : يا أبتِ ، يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ! فضج الناس بالبكاء ، ومضى عمر محزوناً مغلوباً على أمره ، فأتى أبا بكرٍ وسأله أن ينطلق معه إلى الزهراء لعلهما يحاولان استرضاءها ، واستأذنا عليها فلم تأذن لهما ، حتى جاء عليّ فأدخلهما ، فسلما ، لكنها أشاحت بوجهها عنهما واستدارت إلي الحائط معرضة مغضبة ، واستطاع أبو بكرٍ أن يجد صوته ويقول : يا حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واللهِ إن قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم احب إليّ من قرابتي ، و إنك لَأَحب إليّ من عائشة ابنتى ، ولوددت يوم مات أبوكِ أنى مت ولا أبقى بعده ، أفتُرانى أعرفك وأعرف فضلك وشرفك ، و أمنعك حقك وميراثك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! إلا أنى سمعته صلى الله عليه وسلم يقول : نحن معاشرالأنبياء لا نُوَرّث ، ما تركناه صدقة .


وفي هامش هذه الصفحة قالت بنت الشاطئ [ وذلك أنها كانت طلبت من أبي بكر أن يعطيها ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ] انتهى الهامش .


فقالت فاطمة : أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفانه وتعملان به ؟ قالا : نعم . قالت : نشدتكما الله ، ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطى ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد احبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطنى ؟ أجابا : بلى ، سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : فإني أُشهِد اللهَ وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، و لئن لقيتُ رسول الله لأشكوكما إليه . فارتاعا لما سمعا ، وخرج ابو بكر إلى الناس والدمعُ ينساب من مقلتيه ، فسألهم أن يُقيلوه من بيعتهم ، لكنهم أبوْا ، حتى لا تكون فتنة .


هامش : أنظر صحيح البخارى 57/1 ، صحيح مسلم 32/52 ، طبقات ابن سعد ج2 ، ج8 ، وسنن الترمذي 19/44.


تلك كانت صورًا من صور الحب البصير ، الذي لا يندمج مع العاطفة الجياشة ، مديرًا ظهره إلى الحق ، ولكنه يجعل لنفسه ميزانًا دقيقًا ، يعرف به الحق من الباطل ، هذا الميزان هو ما عبّرت عنه الآية القرآنية الكريمة( فلا وربِّكَ لا يُؤمنون حتى يُحكّموك فيما شجر بينهم ، ثم لا يجِدوا في أنفُسِهم حَرَجًا ممّا قَضَيْتَ ويُسَلّموا تسليما ) الآية 65 / من سورة النساء