المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحيل الكاتب الساخر محمود السعدنى



fagrmasr01
06-05-2010, 05:03 PM
رحل العم الكبير الكاتب السياسي الاجتماعي الساخر المبدع‏,‏ كبير ظرفاء عصره الصديق العزيز محمود السعدني سفير صاحبة الجلالة الي جموع المصريين البسطاء في دروب الجيزة وحاراتها وكافة أحياء مصر الشعبية. http://www.ahram.org.eg/images/px_wight.jpg

في المدن والقري والدساكر‏,‏ وأروع من وظف قلمه الساخر‏,‏ بعد عبدالله النديم كاتب الثورة العرابية وخطيبها‏,‏ ليضحك المصريين ويبكيهم علي أحوالهم‏.‏ ويكوي بسياط كلماته الساخرة كل الذين أهدروا حقوق هؤلاء البسطاء‏..‏ ابتداء من كبار المتنفذين مهما علت مراكزهم الي صغار البيرقراطيين‏,‏ مرورا بالهليبة تجار السوق السوداء ومستوردي اللحوم والفراخ الفاسدة‏,‏ وناهبي البنوك المصرية من عتاولة الاستغلال وكبار أساتذة النصب الاقتصادي باسم الانفتاح سداح مداح‏,‏ وكل من سولت له نفسه الاعتداء علي حقوق بسطاء مصر‏,‏ ينزع عنهم السعدني ببراعة قلمه الرشيق أقنعة الخداع والكذب‏,‏ ويجرهم من عليائهم المصطنع الي بلاط الشارع المصري يضحك عليهم الأمم ويجعلهم موضع تندر الجميع‏.‏
عركت مصاعب الحياة ومصائبها الولد الشقي علي امتداد عمره‏,‏ ابتداء من جولات الشباب في فترة الصبا مع رفاق دربه زكريا الحجاوي وأحمد طوغان ومحمد علي ماهر وأنور المعداوي وفلاح الجيزة الأشهر الحاج إبراهيم نافع‏,‏ يطوفون الموالد الشعبية وراء أروع قراء السورة وكبار المنشدين الدينيين ونجوم الغناء الشعبي وثعالب الكرة المصرية‏,‏ يكشفون عن مواهبهم الفذة‏,‏ ويقدمونهم الي المجتمع المصري‏,‏ ويساعدونهم علي أن يلمعوا نجوما في سماء القاهرة‏..‏ وقبل ثورة يوليو بسنوات محدودة عمل السعدني مراسلا حربيا لجريدة الجمهور المصري في السويس يتابع حركة المقاومة الشعبية المسلحة ضد قوات الاحتلال البريطاني‏,‏ ويحرض عمال القناة علي ترك العمل في القاعدة البريطانية ويلهب بحكاياته التي يرويها عن المقاومة مشاعر المصريين‏,‏ وكانت صحيفة الجمهور المصري في ذلك الزمان من أوسع الصحف المصرية انتشارا في أوساط مصر الشعبية‏.‏
وعندما غادر السعدني مصر بعد محاكمته في قضية مراكز القوي الي حياة المهجر في العراق والكويت ولندن بكل عذاباتها وآلامها التي جعلت منه كاتبا سياسيا من طراز مختلف‏,‏ يشرك بسطاء مصر في أكثر القضايا السياسية تعقيدا وصعوبة لسهولة عباراته التي تصيب الهدف من أقصر الطرق وأبسطها‏,‏ ظل السعدني علي ولائه لوطنه‏,‏ يرفض أن يكون قلمه أداة لدعم خصوم مصر‏,‏ ولهذا السبب كان كثير التنقل والترحال لايستقر به المقام في بلد حتي يرحل عنه الي بلد آخر‏,‏ يحمل معه هموم أسرته الصغيرة الي أن استدعاه الرئيس السادات يرحمه الله الي لقاء مشهود في الكويت تصالحا فيه‏,‏ قرر بعده السعدني العودة الي مصر‏,‏ وعندما كان السعدني ـ الذي كان يملك موهبة نادرة في التشخيص والتمثيل أغلب الظن أنها أثرت في شخصية شقيقة الفنان الكبير صلاح السعدني ـ يحكي لنا التفاصيل الدقيقة لهذا اللقاء الممتع‏,‏ يقلد الرئيس السادات ويقلد نفسه في ردوده علي الرئيس السادات‏,‏ كنا نكاد نستلقي علي ظهورنا من الضحك لدقة تصويره لتفاصيل هذا اللقاء الجميل‏.‏
وعندما عاد السعدني الي مصر استقبلته مجلة المصور بحفاوة بالغة‏,‏ وظلت منبره الوحيد لسنوات طويلة‏,‏ بعدها تخاطفت الصحف والمجلات مقالاته الي أن تمكن منه مرض عضال أقعده عن الكتابة وعزله عن الناس فلم يعد يخرج أو يكتب أو يلتقي بأصدقائه‏,‏ وسيطرت عليه حالة اكتئاب عميقة زادت مرضه وعزلته الي أن رحل الي رحاب الله‏.‏
عاش السعدني حياته بالطول والعرض‏,‏ خفيف الظل شديد الذكاء عظيم الكرم سليط النقد‏,‏ يخالط بسطاء الناس ويسعي الوزراء والكبراء الي مجلسه‏,‏ ينشدون صداقته ويستمعون الي حكاياته ويأكلون في ضيافته طواجن الفتة واللحم والعكاوي الشهية‏,‏ يكتب ويضحك ويسخر من كل سلبيات عصره سخرية جميلة نافذة‏,‏ ويستخرج من أعماق الشارع المصري أبطالا شعبيين يروي نوادرهم عظة وعبرة للجميع‏,‏ وفي مشواره المهني العريض والطويل أصدر السعدني ثلاث مجلات‏,‏ أبرزها الأسبوع التي نشرت لأول مرة رسوم فنان الكاريكاتير المصري العظيم صلاح جاهين‏,‏ كما رأس لفترة طويلة مجلة صباح الخير الذي رشحه لرئاستها كاتبنا المجيد أحمد بهاء الدين‏,‏ كما أصدر السعدني خلال هذا المشوار السخي في عطائه ما يقرب من‏40‏ كتابا في أدب الكتابة الساخرة والنقد الاجتماعي والسياسي والأدبي